صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

قصاصة علي جواد الطاهر

بضعة اسطر في قصاصة خطها الدكتور علي جواد الطاهر ووجدتها اثناء تقليب احدى نسخ كتابه مقدمة في النقد الادبي، فيها ببساطة خلاصة فكرة المقال الادبي، وتغني عن كتب ومقالات طوال تعلم الناشئة والمتأدبين كيفية كتابة المقال الادبي او مقال النقد الادبي. يقول الطاهر في القصاصة: “يشترط في المقالة الادبية مسحة من الشاعرية والذاتية والا يتكلف صاحبها في كتابتها، والقصر من شروطها الاساسية، وتلتقي مع العلمية في صفات القصر والتأثير مع الوقوف عند موضوع واحد، غير ان الثانية لابد بكاتبها اكثر من تقدير مادة المعرفة والفكر بوضوح واتساق ولغة حسنة”.

هل كان المقال الادبي ليموت لو ان دارسو الادب وضعوا الاسطر الثلاث امام عيونهم وهم يكتبون المقالات التي تخلو من روح ويملؤون بها الصحف والمواقع الالكترونية؟ حتى مات النقد الادبي وصار ابخس بضاعة في ميدان الثقافة. ما ابسطها من قاعدة، وما اصعبها ايضا.. فمن اين لنا ذلك الذي يعرف ان يضيف للنصوص التي يكتب عنها شاعرية من ذاته دون تكلف! الكتابة في النقد الادبي موهبة مثلها مثل الادب ذاته، لكنه بلغ اوج احتضاره حين ركب موجة النقد غير الموهوبين وصاروا يكررون ذات الكليشات في كل مقال ثم انتقلت العدوى الى دارسي الادب ونقاده في الجامعات، كلهم يكتبون بما يحسبون انه النقد الادبي الموضوعي والعلمي لكن احدا منهم او من معلميهم في الجامعة لم يسالهم او يسأل نفسه ما قيمة كل هذا الاجترار ونتاجاتكم ونتاجات طلابكم مثل حلقة التروس يجر بعضها بعضا، لن يكون طالبكم ناقدا حين يكتب عن الزمان والمكان والشخصيات والراوي وزاوية الرؤية، فما شأن النصوص بهذه الاليات العقيمة التي تشبه السجون، نعم انها تشبه السجون حيث يتساوى فيها النص البديع والنصع المتهافت. فهل سأل احدكم نفسه هل هناك نص بلا هذه العناصر؟ وما قيمة ان نمزق النص لنفرشة على هذه الارضية المعبدة سلفا؟؟.

Image

لا قيمة بالطبع ولايهم احدا ما قاله الشكلانيون الروس ولا ما ابدعه بروب.. كلما يريد ان يصل اليه القارئ هو الفكرة التي يقدمها الناقد وتخترق النص الاصلي لتصير جزءاً من جسده وعضوا فيه، انه اتحاد مخيلتين تنحتان خصوصية النص كما التمثال المصقول بكثير من الحب، يسعى القارئ للمقال النقدي ان يفهم النص من كاتب لا يمزق ثوب الرواية او القصيدة ويتركها عارية بالخلاصات التي يقدمها، بل يشرح فكرته عن النص وهو يداعب خصلة من شعره ويربت على كتفيه وكأنه طفل يخشى عليه من قساة النقد الذين لا يتورعون من توريط النصوص بما هو خارج عنها، فتجد ناقداً يكتب وكأنه يحلق راس النص، واخر يمسح حذاء كاتب النص، والنوع الاسوء هو الذي يغدر النص ويقف عنده موقف من يصف العروس وهو واقف خلف باب غرفتها.

ربما من الجيد ان اختم هذا العتب على نقاد اليوم الذي اثارته قصاصة استاذنا الدكتور علي جواد الطاهرعلى بنص لمحترف القراءة الودود والرحيم بالنصوص البرتو مانغول الذي يقول في كتابه يوميات القراءة ” ان حقيقة كل كتاب نحبه، اننا نحن نعتقد اننا نقترب منه عن بعد، نراقبه يزيح الستارة التي تحميه، نرصده يكشف عن حكايته ونحن في المقاعد الامينة للنظارة، لكننا ننسى ان مايجعل الشخصيات باقية على قيد الحياة وما يجعل من القصة حية،هو امر يتوقف على وجودنا كقراء، يعتمد على فضولنا وعلى رغبتنا في تذكر تفاصيل او على دهشتنا بسبب غياب، كما لو ان قدرتنا الخاصة على الحب قد خلقت، في خضم من كلمات الشخص المحبوب”.

اتفق معك سيد مانغويل الكتابة فعل حب تتطلب اخلاصا وانصاتا لروح المحبوب حتى يطرز جبينه بقبلات من حروف مضيئة لاتشوبها البلادة في الشعور او العنف الذي يمزق البضاضة بالاقتحام الفج.

 

إقرأ أيضا