الأيّام الخوالي
صُفيّت أرضنا من كلّ ميت لا يرضى بقسمته في سقمه الذي ينوء بحمله منذ ولادته، والأصحاء الذين أدمنوا خمر قصب السكّر وظنَّوا انهم مُخلَّدين في إعاقتهم للأسى، تَسلَّوا بإيلامهم لذرّيتهم وهم يحطّمون القبور العائمة التي يروّح فيها الغرقى عن أنفسهم بتذكّرهم للأيّام الخوالي.
في اتقائنا لشرّ من يتباهى بنتفه لشعر رأسه أمام الحائك الذي اغتاله عند أنواله، نسلب فتياتنا أقراطهن ونسلمها اليه عن طيب خاطر. يقترن الطغاة والعوام بإرث مشابه في غطرستهم وفي إفسادهم للنسيم الذي تنام في رضابه الثمار والعصافير والشهب، وكلّ مُتجبّر يريق أمطار الآبار، يقصي أطفال الفراشات عن أمهاتها في أيّام الفطام.
المنادون الذين يتدافعون فوق القناطر في الفجر على موتهم، يدلّون الأسقام على تِرْسانة أسلحتنا، ونحنُ نروّض الجروح في الدهاليز، والمباهج انصرفت الى جهة أخرى. لا غصن يلوذ فيه الحيّ ولا محارة يغنّي في ليلها الغريق، ونفاية فراغ حياتنا شائكة، والعصف الدائم للعوائق لا يخطئ مُتلقّيه في حمله لنعشه بين الأنقاض.
أكثر إثارة من زفاف ملائكة في الربيع
يشترط الأثرياء الذين يغرزون إبرهم في وجوه مَن نحبّهم، أن نتخلَّى لهم عن الندى الذي يُنقّط فوق وجوه الموتى وهم ينعسون في نعوشهم، وفتياتنا الممتلئات يوشمن وجوههن وأيديهن طلباً للزواج. كلّ فتاة في تغطيتها لشفتيها بالنجمة الفوَّاحة للشبق، أكثر إثارة من زفاف ملائكة في الربيع.
هيلين اختطفها الجندي الأرعن واعتكفت في غرفة بطروادة، وأمل الشفيعة نزلت الى العالم السفلي للندن مع التاجر الثري العجوزة، والذين تعلَّقنا بهم، زوَّروا هويتهم ولم يكترثوا الينا وخدعوا الأخيار.
أضداد تأتي وأضداد تذهب، والتحيّز للأبهة والتلوّث بالعقاقير التي يشيخ فيها ذهب العجائز، يعفينا من انجذابنا بمرور الزمن الى المعشوق غير العادل.
الذكرى الجمعية للأثرياء وهم يُرَّتقون الأكداس الكبيرة للمال التي خزَّنوها وبخلوا فيها علينا وعلى أنفسهم، تفكَّك كلّ رابطة لزمالتنا معهم ومع النساء اللواتي أغروهن وسرقوهن منّا. التباعد عند المحبين، زمن تنقصه السماحة وينفث بسمومه المنغَّصات والمشاريع الخاشعة للرذيلة.