العلاقات العراقية – القطرية، مرت بفترات “قاتمة”، قبل أن تبدأ تدريجيا بالعودة للمسار الطبيعي، لكن، وبحسب وجهة نظر محلل سياسي فان العراق يعتمد على تأثيرات المنطقة ويحدد مساره، وهذا ما يجري مع علاقته بقطر، التي عانت كدولة من “عزلة” فرضتها عليها السعودية، وبعد عودتها مجددا لـ”الحضن الخليجي”، انفتحت على العراق بشكل اكبر، وهو ما اعتبره محلل آخر، طريقة “غير مباشرة” من “عاصمة الغاز” لتقديم اعتذار للعراق عن دعمها لـ”التنظيمات الارهابية” طوال سنوات.
يوم أمس الاربعاء، وصل نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الى بغداد في زيارة رسمية، وأكد في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين على “الاتفاق على إعادة تفعيل اللجنة المشتركة بين البلدين”، وذلك بعد زيارة أجراها كل من وزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي، الى قطر في 13 اذار مارس الحالي، والتحق به وزير الخارجية في يوم 15، حيث التقى خلالها امير قطر تميم بن حمد آل ثاني.
وحول تبادل هذه الزيارات، وتطور العلاقة بين بغداد والدوحة، يقول المحلل السياسي اياد العنبر، في حديث لـ”العالم الجديد”، إنه “لا أحد يستطيع تأكيد المعلومات المتعلقة بشان الزيارات العراقية القطرية وعلاقتها بداعش وتجفيف منابعه، لكون العراق، وبعد حرب داعش والانفتاح على الدول العربية، جرى نوع من توثيق العلاقات السياسية والامنية والاقتصادية، لكن لا توجد هناك قدرة على اختبار صدقية العناوين التي تاتي بها هذه الوفود والزيارات”.
ويؤكد العنبر “لا نعرف هل هذه الزيارة امنية ام سياسية ام اقتصادية، كون الملفات شائكة بين البلدين او غير مسموح للتصريح بها”، مبينا ان “مشكلة العراق هي أنه ليس بصانع للسياسة، بمعنى اذا كانت العلاقات القطرية الايرانية جيدة فان العراق سيكون مندمجا بهذا الانفتاح، وكذلك الحال في العلاقات السعودية والايرانية وباقي دول الخليج”.
ويلفت الى “عدم وجود بوصلة واضحة ازاء التقارب الخليجي لدى صانع القرار العراقي، بل يكون تابعا ومتأثرا بطبيعة العلاقات بين جميع المؤثرات الخارجية”.
وشهدت الفترة الماضية الممتدة لنحو شهرين، ارتفاعا في وتيرة العمليات الارهابية بالعراق، حيث نفذ عناصر داعش عمليات عديدة في مناطق متفرقة، شملت ديالى وصلاح الدين وشمالي العاصمة بغداد، وكانت اغلبها عمليات انتقامية من اشخاص سبق وان أوقعوا بقادة التنظيم قبل سنوات وبعضها استهدفت عناصر في الحشد العشائري “السني”.
العمليات الاخيرة لداعش، شكلت دائرة خطر جديدة تحيط بهذه المناطق، وفي هذا الوقت أجرى وزيرا الداخلية والخارجية زيارتين متقاربتين الى قطر، وبحسب تقرير سابق لـ”العالم الجديد” فان المحلل السياسي أحمد الربيعي، كشف عن تسريبات مفادها أن قطر لازالت تدعم داعش لغاية الان، ورجح ان تكون زيارات المسؤولين العراقيين لقطر، هي لطرح المعلومات والأدلة وكشفها أمام الحكومة القطرية، ما سيشكل ضغطا عليها.
من جانبه، يرى النائب عن ائتلاف دولة القانون كاطع الركابي في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “علاقة الحكومة مع قطر لم تنقطع، بل هناك زيارات مستمرة ووفود مدنية وامنية على مدى الفترات الماضية”.
ويشير الى ان “الحكومة ماضية بالانفتاح مع جميع الدول، ولا يوجد حاجز حول زيارة مسؤولين عرب الى الدول الصديقة والعربية ومنها قطر”، مؤكدا أن “هناك تعاونا بين وزارة الدفاع العراقية والقطرية على مستوى دورات الاركان وتبادل الخبرات والتدريب، لكنها لا ترتقي الى توقيع اتفاقيات، لأن العراق ليس بحاجة الى مثل هذه الاتفاقيات مع الدول العربية”.
وكان مصدر امني كشف لـ”العالم الجديد” عن أبرز ملفات زيارة رئيس الأركان السعودي فياض الرويلي الى العاصمة بغداد في 2 اذار مارس الحالي، قائلا انه جرى بحث التعاون في المجال العسكري والاستخبارات والعمليات، وان الطرفين اتفقا على تبادل المعلومات بشأن امن البلدين، فضلا عن التطرق لملف تدريب وتسليح الجيش العراقي من قبل السعودية، وإمكانية ان تقدم السعودية اسلحة للجيش العراقي كهدية.
لكن للمحلل السياسي هاشم الكندي، وجهة نظر أخرى، تتمحور حول طرق تقديم قطر اعتذارها للعراق عن دعمها للارهاب، موضحا ذلك في حديثه لـ”العالم الجديد” بـ”لا يخفى على الجميع ان قطر كانت من الدول التي تدعم الارهاب في العراق وسوريا، وكانت ايضا تدعم الجهات التي تمول الارهاب، ووصلت مرحلة التنافس مع السعودية على دور اقليمي عبر تحريك التنظيمات الارهابية”.
وينوه الى ان “هذا الامر ظهر جليا عبر تصريحات مسؤولين قطريين، ابرزهم وزير خارجية قطر السابق، لكن قطر الان في حراك جديد، بعد ان انتهت القطيعة مع السعودية، وان كان هذا الامر انتهى ظاهريا لكنه باق داخليا، وهذا ما يدفعها الى تحسين علاقتها مع العراق، الذي يعد الدولة الاكثر تضررا من دعم قطر للارهاب”.
ويبين ان “طريقة اعتذار قطر، تتم عبر هذه الزيارات والتفاهمات، وهي طريقة غير مباشرة، بمعنى ان قطر لن تقول انها ساهمت بدعم الارهاب في العراق، بل تتجه الى الاستثمار في البلد ودعم النظام السياسي وغيرها من الطرق لفتح صفحة جديدة”، مضيفا ان “هذه العلاقات ستؤسس لارتباط جديد، وتنسي الماضي وسيئاته وتفتح صفحة تعاون مبنية على المصالح المشتركة، وهذا الدور مقبول جدا من العراق، بعد أن فتح صفحات جديدة مع كافة الدول”.
وتسلم رئيس الجمهورية برهم صالح يوم امس، من وزير الخارجية القطري، رسالة خطية من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني تضمّنت دعوة رسمية لسيادته لزيارة قطر.
وقال بيان لمكتب رئيس الجمهورية، أن أمام دول المنطقة مسؤولية كبيرة في تجاوز الأزمات والتوترات عبر تنسيق الجهود لدعم الحوار والدفع بمسارات الحل السياسي في تسوية المشاكل فيها، والعمل على تثبيت دعائم الاستقرار الإقليمي ومواجهة الإرهاب والفكر المتطرف، فيما شدد الوزير القطري دعم قطر للعمل المشترك مع الأطراف الإقليمية والدولية لحفظ أمن المنطقة واستقرارها، اضافة إلى التزام بلاده في دعم أمن واستقرار وسيادة العراق.
كما التقى وزير الخارجية القطري، ايضا برئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وفي اللقاء نقل الوزير تطلع القيادة في دولة قطر لاستقبال الكاظمي في الدوحة باقرب فرصة ممكنة، اضافة الى بحث سبل تعزيز التعاون المشترك وتطويره بين بغداد والدوحة، على جميع المستويات، لاسيما الاقتصادية والامنية والسياسية، وفي مجال الاستثمار.
وكان السفير العراقي في قطر عمر البرزنجي، أكد في آب اغسطس 2020، أن استقرار العراق يمثل اولوية ومصلحة متبادلة لدى دولة قطر، واصفاً العلاقات بين البلدين بأنها متجهة بقوة نحو الانفتاح المتبادل، ومن أهم المصالح المشتركة كانت مواجهة داعش ومحاربة توسعه في المنطقة واعمار المناطق المحررة والمتضررة من الارهاب.
وبحسب قول السفير آنذاك، فقد “لاحظنا أن دولة قطر تبدي حرصاً واضحاً على توثيق العلاقة مع العراق، ولدى البلدين مذكرات تفاهم موقعة خاصة في المجال الامني”.