بعد عقود من الغياب، تأتي القمة الثلاثية المرتقبة بحضور الرئيس المصري والملك الاردني في بغداد، الدور العراقي الغائب منذ أربعة عقود، ما رآه باحث سياسي، تصحيحا للموقف العربي الذي أدار وجهه، غير أن محللا اقتصاديا قلل من تأثيراتها السياسية، مؤكدا أنها تؤسس لمحور اقتصادي عربي منافس لتركيا وايران.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي احسان الشمري في حديث لـ”العالم الجديد” إن “هناك محاولة من هذه الدول لاخذ دور محوري جديد على مستوى العالم العربي، وايضا فيما يرتبط بالازمات التي تمر بها المنطقة“.
ويضيف الشمري، ان “هذه القمة الثلاثية، تعد مكملة للتفاهمات والتنسيق بين هذه الدول، وترجمة للاتفاقيات بما يعزز العمل المشترك على جميع المستويات، وليس بموضوع المشرق الجديد، وانما في مجال الاقتصاد والطاقة والجانب الامني والاستخباراتي“.
وكانت الأمانة العامة لمجلس الوزراء أعلنت في كان الأول ديسمبر 2020، عن عقد قمة لزعماء العراق ومصر والأردن في بغداد خلال الربع الأول من العام الجاري.
ومن المفترض ان يصل نهاية الشهر الحالي الى العاصمة بغداد، كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، لعقد القمة الثلاثية مع رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي.
ويتابع الشمري، أن “هذا اللقاء قد يكون جزءا من عملية تصحيح الموقف العربي تجاه العراق الذي عزل نفسه خلال السنوات الماضية، ويبدو ان هناك محاولة للعودة، وهو واضح من خلال الانفتاح على جميع دول المنطقة، وإعطاء مؤشر واضح لملء الفراغ الذي تركه الغياب العربي في العراق“.
وفي 25 آب أغسطس 2020، احتضنت العاصمة الاردنية عمان، قمة ثلاثية بين العراق ومصر والاردن، والتي جرت عقب عودة الكاظمي من زيارة رسمية أجراها الى الولايات المتحدة الامريكية، بصورة مباشرة، وبحسب التسريبات في وقتها، فأن القمة جاءت وفق مشروع “الشام الجديد” الذي اقترحه الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب.
وفي 26 آب أغسطس 2020، وصل رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض الى سوريا، والتقى رئيسها بشار الاسد، وبحسب المصادر التي كشفت لـ”العالم الجديد” في وقتها، فأن الفياض كان يحمل رسالة من الكاظمي، وذلك عقب عودة الاخير من القمة الثلاثية في عمان، مفادها “إخراج الجماعات العراقية الشيعية المسلحة من سوريا، مقابل تخفيف (قانون قيصر) المفروض على سوريا“.
وتمثل منطقة النفوذ الجديدة، التي اقترحها ترامب، ممرا اقتصاديا وتجاريا يجمع هذه الدول الثلاث، مستغلة إمكانيات كل دولة، فالعراق سيكون المصدر الأول للنفط والغاز، اضافة الى استثمار طاقات مصر الانتاجية والبشرية، فضلا عن تحول الاردن الى معبر وطريق يجمع هذه الدول مع بعضها، مقابل تقليص النفوذ الايراني في سوريا المتمثل بالجماعات المسلحة، وذلك بحسب مصادر افادت لـ”العالم الجديد” في وقت سابق.
الموقف الاردني
يشير المحلل السياسي الاردني حازم عياد، في حديث لـ”العالم الجديد” الى أن “من الطبيعي ان تستضيف بغداد القمة الثلاثية التي هي الثالثة بعد عمان والقاهرة، حيث تعتبر بغداد شريكة لكل من القاهرة وعمان، واستضافتها للقمة تعكس مكانة العراق في هذا التجمع“.
ويؤكد أن “حاجة الدول للتعاون الاقتصادي فيما بينها باتت ضرورة ملحة في ظل الازمة العالمية والاقليمية، وان هذه العوامل تشجع على التعاون المشترك بينها”، مضيفا ان “لهذا التجمع فوائد كثيرة، اهمها الاقتصادية، خاصة وان الشراكة فيه ذات طبيعة اقتصادية، فجميع الاطراف لا تسعى إلى فرض سياستها على الاخر، بل ان الجميع يعمل وفق نظامه الخاص، وانها الان تسير بالاتجاه الصحيح“.
وحول الوضع الامني في العراق، ورؤيته لمدى استعداده لاستضافة القمة، يبين أن “العراق قد خرج من أزمة ما بعد الحرب الشرسة مع الارهاب والبيئة باتت مناسبة ومهيأة فيه للعمل المشترك”، لافتا الى ان “العراق الذي استضاف بابا الفاتيكان قادر على استضافة هذه القمة ولا يوجد اي قلق امني“.
يشار الى ان العراق استقبل في الخامس من اذار مارس الحالي، الحبر الاعظم البابا فرنسيس، في اول زيارة للعراق من قبل بابوات الكنيسة الكاثوليكية عبى مر التاريخ، ونجح في وقتها من تأمين الزيارة وإتمامها خاصة وان البابا اجرى جولة في 5 مدن عراقية وتجول في شوارع العاصمة بغداد وزار كنائسها، فضلا عن عقد لقاءا تاريخيا مع المرجع الديني الاعلى علي السيستاني في النجف وإقامته صلاة موحدة بين الاديان الابراهيمية في مدينة أور الاثرية في ذي قار قرب منزل النبي ابراهيم الخليل.
وكان عميد كلية الأمير حسين للدراسات الدولية في الاردن، محمد القطاطشة، اعتبر أن “لدولتي العراق ومصر، أهمية في النظام الاقليمي، واصفا القمة بأنها مقدمة لعودة مجلس التعاون الذي أسدل الستار عليه في أزمة الخليج.
ما هي الجدوى الاقتصادية للعراق؟
وحول جدوى القمة الاقتصادية للعراق، يؤكد الخبير الاقتصادي صفوان قصي، في حديث لـ”العالم الجديد” أن “العراق يتطلع لاحداث حالة بالتنويع الاقتصادي من خلال الانفتاح على مصر والاردن وإنشاء مدن صناعية وتجارية حرة والسماح بتدفق النفط من ميناءي الشمال والجنوب باتجاه ميناء العقبة وايضا البحر المتوسط عن طريق مصر“.
وينوه الى أن “هذه العوامل سترفع حصة النفط العراقي السوقية، وتنويع بوابات تصدير النفط، إضافة إلى زيادة التبادل التجاري بين هذه الدول وإمكانية إعادة تصدير البضائع إلى الاتحاد الاوروبي عبر المواقع الستراتيجية لهذه الدول، فضلا عن وجود تكامل اقتصادي بينهم، ما يتيح الفرصة لمنتجات هذه الدول التنافس مع المنتجات الإيرانية والتركية وزيادة حجم التبادل التجاري مع منظومة الشرق والاتحاد الاوروبي“.
ويستطرد أن “العراق لا يتبع سياسة المحاور، فانه يريد ان يمارس التوازن بين الجميع”، مشيرا الى ان “هناك توسيعا لهذه القمة باتجاه دول المنطقة ومنها السعودية ودول الخليج الأخرى، العراق يسعى إلى التعاون مع الجميع وعدم غلق الابواب مع اي طرف سواء كانت ايران او غيرها ويفترض عدم التفكير بهذا الاتجاه والمضي بالانفتاح نحو الجميع“.
وحول العلاقات المباشرة مع اسرائيل، في حال نجاح القمة، خاصة وان مصر ترتبط بعلاقات مباشرة معها، يؤكد أن “العلاقات العراقية المباشرة مع إسرائيل بهذه المرحلة غير ممكنة نظرا للاتفاقيات التي يلتزم العراق بها، لكن بشكل عام فان اسرائيل موجودة بالمنطقة وفي حال نجحت بارضاء الجانب الفلسطيني فانه من الممكن اعادة النظر بالتعامل المباشر بين العراق وإسرائيل“.
يشار الى أن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي وصل الى بغداد في 31 تشرين الاول أكتوبر 2020، في خطوة لاستكمال الاتفاقيات الاقتصادية، وخاصة القمة الثلاثية بين العراق والاردن ومصر.
وطالب محلل سياسي في وقت سابق، الرافضين للتطبيع مع اسرائيل بموقف واضح وصريح من العلاقة مع مصر والاردن، كون الدولتين تتمتعان بعلاقات اقتصادية مع اسرائيل، ما قد يحول العراق مستقبلا الى نقطة التقاء في المحور الاقتصادي الذي تسعى له اسرائيل في المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر.
وكانت قمة عمان في أب أغسطس الماضي، هي القمة الثالثة من نوعها في غضون عام، إذ عقدت القمة الثلاثية الأولى بالقاهرة في آذار مارس 2019، في عهد رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، تبعتها قمة ثلاثية عقدت في نيويورك في أيلول سبتمبر 2019.