تحولت البصرة الى ساحة مكشوفة لتنامي قوة السلاح، وسقوط هيبة الدولة، مع تصاعد نفوذ العشائر بُعيد احداث احتلال الموصل من قبل تنظيم “داعش”، بفعل الفراغ الذي تركته قوات الأمن المحترفة وقطعات الجيش العراقي التي غادرت لتقديم الاسناد في ساحات الصراع، على الرغم من اهمية المدينة الاستراتيجية، وحساسية العلاقة بين العشائر المتناحرة التي تستوطن شمالها.
وتنشب في قضاء القرنة (شمال البصرة)، اشتباكات مسلحة شبه يومية بين عشائر متناحرة فيما بينها، بسبب ثارات ومشاكل اجتماعية، في ظل غياب القانون، وسيادة الاعراف القبلية، وتوفر السلاح على نحو معلن. وغالباً ما تتسبب تلك المعارك المستمرة بسقوط قتلى وجرحى واضرار مادية، ما يزيد من حدة الاحتقان.
وفي خطوة للسيطرة على الوضع المنفلت في الشمال الغني بالنفط، اعلن محافظ البصرة ماجد النصراوي (كتلة المواطن –المجلس الاعلى) في (27 ايلول الماضي) تشكيل ما اسماه بـ”القوة الامنية الضاربة لحل النزاعات العشائرية”، مبيناً في مؤتمر صحفي عقده في حينها ان “القوة تتألف من 200 منتسب مجهزة بالاسلحة الاجهزة الخفيفة والمتوسطة لمواجهة العنف وبسط الامن والحد من النزاعات العشائرية، وتفعيل مذكرات القاء القبض بحق المتهمين والمطلوبين في شمال البصرة”. لكن “القوة الضاربة” سقطت بأول اختبار لفض نزاع مسلح نشب بين عشيرتي البوشبيب والكعابة في حي الجمعة، وسط قضاء القرنة، حيث لم تتدخل تلك القوة، وظلت بحسب مصدر محلي تحدثت اليه “العالم الجديد” في مقرها، لحين فض القتال بتدخل من قبل مشايخ عشائريين، لينتشر بعدها عناصر القوة في الحي و”كأنها هي من فرضت الامن فيه”.
فيما يُبيّن احد وجهاء قضاء القرنة في حديث لـ”العالم الجديد”، بأن ثاني اختبار لتلك القوة، كان استعان بالشرطة المحلية لتنفيذ امر القاء قبض بحق مطلوب وفق المادة (406) في حي الجمعة ذاته، الا ان القوة جوبهت باطلاق نار من قبل افراد عشيرة المطلوب، ما ادى الى اصابة المنتسب “صلاح فرج عبار سوادي الغانمي” بطلق ناري في قدمه اليسرى، واضرار في عجلة “عين الجارية” التابعة للقوة، ولم يتم القبض على المطلوب.
وبينما عادت القوة خائبة دون تنفيذ مهمتها، نقلت جنديها المصاب لإسعافه بمستشفى القرنة، ما اثار استياءً في الشارع البصري، وبات مواطنون يشبهون عشائر القرنة المتنازعة بـ”عشائر قتلة جنود سبايكر” لعدم احترامهم القانون.
اخفاق “القوة الضاربة” اضطر النصراوي التحول الى “فريضة عشائري” او “مصلح” ذات بين المتناحرين عبر تنظيم “كعدات عشائرية”، فحوّل ديوانه ودار استراحته الى مقر لفض النزاعات العشائرية (الفصول)، واجتذب شيوخ وخبراء في الشؤون العشائرية ومنهم داغر الموسوي مستشار رئيس الجمهورية لشؤون العشائر، واعلن عن تشكيل لجنة لحسم النزاعات العشائرية يكون ارتباطها بخلية الأزمة الأمنية لحل النزاعات العشائرية بالبصرة عموماً وشمال المحافظة المتناحر على نحو خاص.
غير ان النصراوي يحاول اظهار “قوة” بتهديد تلك العشائر المتنمرة على القانون، بان فشل الوساطات والمساعي القبلية سيضطره الى حسم امر بقبضة القوات الامنية، لكن تجربة “القوة الضاربة” ما زالت ماثلة.
النصراوي رعى في لجنته الجديد، فض نزاع عشيرتي بني مالك والسعد الذي دام 8 سنوات وتسبب بمقتل مواطنين وجرح اخرين، كما تمكن من فضل نزاع عشيرة بني مالك وعشائر البوبخيت الذي دام 8 اشهر وراح فيه ايضاً قتلى وجرحى.
ويقول مراقب سياسي في البصرة لـ”العالم الجديد” ان “المحافظ يعرف ايضاً انه غير قادر على مواجهة هذه العشائر التي تمتلك سلاحاً اقوى من سلاح الدولة، لكن ما يسعى اليه هو جذب ولاء تلك العشائر للمجلس الاعلى الاسلامي العراقي، الذي ينتمي، بعدم تحويلها الى اعداء، وسط سياسة التهديد والوعيد”.
ويضيف ان “النصراوي يغض النظر عن نزاع عشيرتي البزوني وبيت وافي الذي نشب مؤخراً وسقط فيه قتلى وجرحى، ولم تتدخل قوته الضاربة بشكل مباشر، بل دعا شيخ عشيرة البزون الى الاحتكام الى لغة التراضي والجنوح الى السلم”.
مصدر في شرطة البصرة، يفيد لـ”العالم الجديد” بأن “شيخ عشيرة البزون حصن منزله الواقع وسط البصرة بالمسلحين والاسلحة المتوسطة، امام اعين القوات الامنية”.
البصريون باتوا يرون في النصراوي، صورة لانعدام القانون والخدمات وسقوط هيبة الدولة، فتحوله الى “فريضة” عشائرية، وتخليه عن صفته الرسمية كمحافظ ومسؤول عن الملف الامني في المدينة، يترجم مدى الضعف الحكومي، وخشيته من فرض القانون على العشائر التي باتت تتناحر ما بينها وتتخذ من احياء وبلدات ساحات قتال دام، واستعراضات عسكرية”.