صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

كُرد سوريا.. هل يتحقق حلم «الإقليم»؟

بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا، فإن تساؤلات عدة تبرز حول مستقبل مكونات وقوميات الجار الغربي للعراق، وبالتحديد المكون الكردي، خاصة في ظل قيام “فرصة ذهبية” يمكن استغلالها كما حصل في العراق، لغرض تشكيل إقليم كردي بإدارة ذاتية شبه مستقلة عن دمشق، وهو ما يؤكد كُرد سوريا السعي إليه، وفيما أبدوا تفاؤلا بإتمام هذا “الحلم”، رأى مراقبون أن الأمر مشروط بالمصالحة مع أنقرة، والتخلي عن حزب العمال الكردستاني (PKK) المعارض لها.

وسيطر أكراد سوريا بعد عام 2014 على مناطق شمال شرق سوريا، وشكلوا إدارة ذاتية بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية التي قدمت لهم الدعم العسكري والمالي.

ويقول السياسي الكردي السوري هوزان عفريني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الطموح الكردي في سوريا يتمثل بإنشاء إقليم خاص بهم على غرار تجربة الكرد في العراق”.

ويوضح عفريني، أن “تجربة إقليم كردستان في العراق هي تجربة ناجحة، ونريد تكرارها في سوريا، والعوامل والظروف بصالحنا، وهذا حقنا، ونحن نريد أن نكون جزءا من الدولة السورية الجديدة، ولكن بما يحفظ هويتنا، في ظل نظام فيدرالي ديمقراطي يعطي جميع المكونات حقوقها”.

ويلفت إلى أن “الواقع يشير من الناحية الفعلية إلى انقسام سوريا لثلاثة أجزاء، إقليم كردي، وآخر علوي، وإقليم للسنة، وإقليم كردستان سوريا بات قريبا جدا، بسبب الدعم الدولي الذي نحظى به، فضلا على أن الأرض الآن متوفرة، كما أنه يحظى بقوة عسكرية على الأرض، ووجود حكومة تمثلها الإدارة الذاتية، التي تحكم مناطق شمال سوريا منذ سنوات، كما أن لديها موارد من النفط والزراعة والسياحة وغيرها”.

وينخرط أكراد سوريا ضمن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تضم أيضا فصائل عربية.

وكان مجلس هجين العسكري، المنخرط في “قسد” قد أعلن انشقاقه، ودعمه الكامل لغرفة العمليات العسكرية في عملية “ردع العدوان” التي تقودها هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع “أبو محمد الجولاني”.

وتشهد هذه المناطق التي يتواجد فيها مجلس هجين العسكري حالة من الاستنفار العسكري، بعد إعلان الانشقاق، حيث يضم المجلس مقاتلين من عشيرة “الشعيطات”، يسيطر على عدة مناطق من بلدة أبو حردوب وصولا إلى الباغوز في ريف دير الزور الشرقي.

وعاشت منطقة دير الزور غرب سوريا في الأيام الماضية، حالة من التوتر الأمني والسياسي إثر تصاعد حوادث القتل والاعتداءات ونهب المنشآت الحكومية. وشهدت المدينة انتشارا أمنيا واسعا، مع فرض حظر تجوال وتكثيف الدوريات، عقب تظاهرات طالبت بضبط الأوضاع الأمنية وإنهاء سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” عليها وضمها إلى مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”، وأسفرت الاشتباكات عن مقتل وإصابة العشرات، حيث اتهمت “قسد” خلايا داعش بالوقوف وراء تلك الأحداث.

إلى ذلك، يرى عضو الاتحاد الوطني الكردستاني أحمد الهركي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العوامل متوفرة على الأرض، لإقامة إقليم كردي في سوريا”.

ويتابع الهركي، أن “للكرد السوريين، أصدقاء في الإدارة الأمريكية، ومنهم وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، فضلا عن أن واشنطن داعمة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهي جزء من التحالف الدولي لمحاربة داعش، كما أن القوات الأمريكية ستبقى في شرق الفرات”.

ويلفت إلى أن “الفرصة حاليا تعتبر فرصة ذهبية، لإقامة إقليم كردستان سوريا، للحفاظ على الهوية القومية للكرد، مع تمثيل محترم ومشاركة في إدارة الحكم داخل العاصمة دمشق، كما حصل في العراق”.

ويردف أن “هنالك تغيرا في الخطاب التركي من ناحية الكرد، ومن ناحية حزب العمال، فالأتراك يبحثون عن صفقة جديدة لإنهاء هذا الخلاف الذي استمر لسنوات، ويمكن للولايات المتحدة أن ترعى هذا الاتفاق، ويحصل الكرد على الإقليم بموافقة من أنقرة، وبالتالي فإن المصالح الدولية هي التي ستحكم”.

ويظهر تفاؤلا في تنفيذ ذلك المشروع، بالقول إن “ما يميز التغيير في سوريا، هو أن الطرف الأقوى في هذا التغيير هيئة تحرير الشام، وهي ليست ذات ارتباط كبير مع تركيا، وهذا قد يساعدنا على التفاهم معها”، في إشارة إلى ارتباط فصائل المعارضة السورية بأنقرة التي تمتلك موقفا سلبيا من قوات قسد.

وبخصوص موقف الاتحاد الوطني الكردستاني من إنشاء إقليم كردستان في سوريا، يشير الهركي، إلى أن “موقف الحزب نابع من موقف رئيسه بافل طالباني الذي أكد على تقديم الدعم للكرد في سوريا، وعبر عن التعاطف معهم لنيل حقوقهم”.

وينتشر الكرد على مناطق واسعة في الجغرافية السورية، ولكن ثقلهم الأساسي في محافظة الحسكة شمال شرقي البلاد، وفي مدينتي عين العرب وعفرين في ريف حلب، كما أن لهم وجودا في عدة مدن أخرى، وخاصة في حي الشيخ مقصود بمدينة حلب والذي تشكل خلال العقدين الأخيرين بعد هجرة عدد كبير من الريف إليها، كما أن للكرد وجودا قديما في دمشق، وخاصة في حي ركن الدين.

أما الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحاكم في إقليم كردستان العراق، فيؤكد عضوه ريبين سلام، على أنه “يقف دائما على الحياد، ولا يتدخل في شؤون الدول والمناطق الأخرى”.

ويشدد سلام، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “ليست بالضرورة أن تتشابه تجربة إقليم كردستان مع تجارب الكرد في سوريا أو تركيا أو إيران، ولا يمكن استنساخ تجربة الإقليم في تلك الدول”.

ويضيف أن “الحزب سيدعم معنويا أي خيار يختاره الكرد في سوريا، ولا يتدخل في شؤونهم، فلو اختاروا الإقليم أو الإدارة الذاتية فهم أعرف بشؤونهم، وبالتالي فنحن ندعم معنويا وعاطفيا أي خيار يتوجهون صوبه”، مبينا أنه “فضلا عن أن، الحزب الديمقراطي وبمبادرة من زعيمه مسعود بارزاني رعى في السابق صلحا بين الأحزاب الكردية في سوريا، لكنهم تنصلوا عن الاتفاق، والديمقراطي على استعداد لإعادة محاولة توقيع اتفاق جديد بين تلك الأحزاب، لأن تفرفقهم يضر بهم ويضعفهم كثيرا”.

ويتابع أنه “على كرد سوريا إذا أرادوا أن يحصلوا على إقليم في سوريا، فعليهم أن يتصالحوا مع تركيا، باعتبارها دولة محورية وجارة، ودولة قوية وعضو في حلف الناتو، ولا يمكن معاداتها، ويتخلوا عن حزب العمال الكردستاني، وهم من يتفاوضون ويقررون مصيرهم، والديمقراطي سيدعم الخيارات التي يختارونها، وأمامهم فرصة ذهبية يجب استغلالها”.

ويعتبر الكرد، جزءا أصيلا من نسيج سوريا، وجاء سقوط النظام كفرصة لتعزيز حقوقهم ووجودهم ضمن إطار سوريا ديمقراطية جديدة، ومع ذلك، فإن التوترات مع تركيا، الجار الشمالي القوي، ما زالت تمثل عائقا أمام تحقيق الاستقرار الكامل.

وقد تم الإعلان عن سقوط نظام الأسد يوم الأحد الماضي، وذلك بعد 12 يوما فقط على بدء المعارضة السورية عملياتها العسكرية التي أسمتها عملية “ردع العدوان”، حيث دخلت قواتها إلى العاصمة دمشق، وأعلنت عبر التلفزيون الرسمي سيطرتها، لتبدأ سوريا عهدا جديدا ومفتوحا على سيناريوهات عدة.

إقرأ أيضا