الأمر زئبقي، ولا يمكن الإمساك بخيط التداول المستقبلي، لأن سلة البيض مخرومة، والدجاجات لا تأمل أن تبيض ذهبا لذا لا شيء نستطيع أن نجزم به، رغم أن توقعاتنا من خلال القراءة وتحليل المعطيات ستظل قيد حركتها السابقة، لكن المستجدات آخذة بالتطور، وكل ما لا يمكننا الجزم به نستطيع أن نؤتيه بعض الوضوح.
فبين التشتت والتوزيع، تحاول الكتل السياسية اللعب في الوقت المنظور، لمحاولة أحتواء أصابع الناخب، حتى أن ورقة الانتخاب القادمة صارت وطنا ، ونسي الساسة رائحة الدم والماء عالية الصوت في الشارع العراقي، حيث الوقت مجرد خشب يحترق، والآمال ضجيج غير نافع لا يوصل لشيء.
هو مشهد يتفجر قلقا أذن، فالجميع يعتقد أن اللعبة قد تخرج عن مقدرات اللاعب، وقدراته، وقد تبلغ مدى تصعب الإحاطة به، حتى أولئك الذين يرفعون أصواتهم ثقة بفوزهم، يدركون الأكمة وما وراءها، ويحاولون استطلاع الأكمة لاستنطاق ما ورائها ، غير أن الأمر عسير بحق، سيما على أحزاب وتيارات لم تعتد قراءة المشهد الدولي، ولم تنجز فروضها الدبلوماسية بتأن، ولم تخض لعبة التدافع الخارجي، لذا كل الثمار في صندوق الداخل الآن، لأن هذا الصندوق هو الوحيد الذي يدركه الفلاح السياسي، وهو اصطلاح أعتقد جازما بأنه يليق ببعض الساسة، الذين اندفعوا من الحقول الى الصالات دون اختبار تأهيل.
دعونا نختبر المشهد، ندقق في ملامحه الممتدة من واشنطن الى بكين، رجوعا الى العمق اللبناني. قد يبدو الناخب العراقي اليوم بمنأى عن التفكير في حصاد العالم، لكن حصاد العالم يصب في السلة العراقية، أردنا ذلك أم أنكرناه، ونتائج الربيع العربي مشترك آخر، وتداعياته أيضا، وتقلب الخارطة الدولية أيضا يفرض بصمته على ورق الانتخاب، والغد المطلوب للعراق أيضا له مشتركاته، وشكل النظام السياسي المطلوب في الغد أيضا له بصماته، فهل يظل التشتت والجمود سمة للعراق، ليشجع الأقليم على الغوص عميقا في الأرض الرخوة، أم نمضي الى التماسك النسبي، أو التماسك الحاد، علينا بدءا معرفة شكل النظام المطلوب دوليا، كيما نستطيع قراءة المتبقي.
أعتقد أن المطلوب في السنتين القادمتين حكومة متماسكة، أقرب الى الصلبة، قد يحدث تبدلا في مشهدها بعد أقل من عشرين شهرا من ولادتها، إذا ما أخفقت في السيطرة على مشهد التشظي، ولم تستطع لعب الدور التنموي السريع المطلوب منها.
وهذا يعني أن المطلوب حكومة متماسكة، تتصاعد الى حكومة صلبة، وهنا قد تكون الفصائل الراديكالية غير مطلوبة في المشهد، وقد تظل على هامش التداول الانتخابي، والأمر قد يشمل الكتل الديمقراطية حقا، وهي نادرة في المشهد العراقي، وقد تتغلب الكتل التي أثبتت تماسكها في السابق، واستطاعت التلون بنعومة مع المشهد الدولي، وأثبتت قراءاتها السياسية عمقا وحنكة، وهو أمر لا ينطبق على أكثر من 90% من الكتل السياسية العراقية، التي أثبتت عماها الإستراتيجي.
لذا سنذهب الى أختيار الأقل سوءا، وأكاد أجزم أن \”متحدون/ دولة القانون/ كوران\” سيشكلون تشكيلة الملعب القادم، بمشاركة فاعلة من مشايخ الغربية، وبدعم من السنة، والجناح اليساري الكردي، والأحزاب الصغيرة، والتي سيكون الحزب الشيوعي أحد هذه الأحزاب، إضافة الى حزب الأمة العراقي، وفصائل كبيرة من العراقية سابقا.
وربما المفاجئ في المشهد القادم، هو الدعم السني غير المسبوق، لرئيس الوزراء السيد المالكي، كل هذا برعاية إيرانية مباشرة، وربما شبه علنية، وبقيادة أمريكية للمشهد/ وهي قيادة شكلية منفذة للاتفاق الإيراني/ الأمريكي.
وسنشهد بعد الانتخابات، صمتا غير مسبوق عن النتائج المثيرة للجدل، وقبولا أقليميا لنتائج الصندوق، وأكاد أجزم أن عامل الوقت سيكون حاسما في كل شيء بدءا من أختيار الرئيس وصولا الى تسمية رئيس الوزراء، وهو الأمر الذي تقول به الخارطة الدولية، وتتطلبه المعادلة، ولا شيء سوى المعادلة، لأن اللعب وفق قواعد الصندوق أصبحت اليوم من أنتيكات الماضي، فهل سيضرب المالكي كرسي في الكلوب، ويعيد تشكيل المشهد، ربما سيحدث ذلك…!