عد نواب ومحللون سياسيون، كشف الذمة المالية للوزراء في الحكومة الجديدة “إجراء شكليا” لا يحد من الفساد وسرقة المال العام، الذي يجري بطرق ملتوية عديدة، مؤكدين أن هذا الإجراء لا يعني بالضرورة نزاهة من يكشف ذمته المالية، فيما لخص خبير قانوني الإجراءات الخاصة بكشف الذمة المالية وآلية محاسبة المسؤول.
وتقول النائب سهيلة السلطاني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الجميع يدرك أنه يتم تهريب الأموال إلى خارج العراق وأن هناك غسيل وتسجيل أموال بأسماء أبناء تحت السن القانونية أو الزوجات أو الأقرباء أو المعارف وغيرها، فالسراق لديهم طرق كثيرة لإخفاء هذه الأموال، كما أن طرقهم غير تقليدية في السرقة والإخفاء، لذا فإن كشف الذمة المالية إجراء قانوني بلا جدوى، فالسارق لا يخشى شيئا اليوم، ومن يكشف ذمته المالية لا يعني أنه نزيه”.
وتشير السلطاني إلى أن “هناك غايات عدة وراء كشف الذمة المالية، منها أن لا يُسأل المعني (من أين لك هذا)، ولكن حتى لو كشفت السرقة فإن السارق سيُسجن لمدة قصيرة ومن ثم يخرج بكفالة ليتنعم بالأموال التي سرقها من الشعب”.
ومنذ بدء الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، مهام عملها بشكل رسمي، يوم السبت الماضي، توجه السوداني إلى هيئة النزاهة وكشف عن ذمته المالية، ومن ثم بدأ الوزراء تباعا بالكشف عن ذممهم، والأمر مستمر لغاية الآن، وتصدر بيانات بشكل مستمر عن الوزراء الذي كشفوا عن ذممهم المالية.
يذكر أن كشف الذمة المالية، سياق متبع في كل حكومة جديدة تتسلم مهامها، لكن لا يجري بعد انتهاء مهام الحكومة تقييم أو تقديم كشف ذمة مالية جديد أو محاسبة أي وزير أو رئيس حكومة.
وفي هذا الصدد، يرى المحلل السياسي علي البيدر خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “كشف الذمم المالية مجرد إجراء شكلي يتم من خلاله ذر الرماد في العيون أو محاولة إقناع الرأي العام بأن السلطة تمتلك شفافية عالية، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا المؤشر إيجابي إلا أن تفعليه ما يزال ضعيفا”.
ويضيف البيدر أن “السوداني بدأ مختلفا في محاربة الفساد وهذه النقطة تحسب له، وعلى الجميع دعمه والعمل على استثمار أرادته في محاربة الفساد، وعند ذلك يمكن الحد من هذه الظاهرة واستعادة ما سرق من أموال، حيث أن الفاسدين ما يزالون أقوياء والدولة عاجزة عن مواجهتهم”.
يشار إلى أن الحكومة السابقة، اتهمت بالعديد من صفقات الفساد، وكانت أبرزها ما بات يعرف بـ”سرقة القرن”، وهي سرقة 2.5 مليار دولار من أمانات هيئة الضرائب العامة، وجرى حديث عن تورط وزراء ومقربين من رئيس الحكومة، لكن لم يتخذ أي إجراء وسلمت الحكومة مهامها إلى السوداني بشكل رسمي، من دون محاسبة أي مسؤول فيها أو استدعائه من الجهات المختصة.
وغالبا ما يكشف النواب عن وجود ملفات فساد بمبالغ طائلة في مختلف مفاصل الدولة، وبعضهم يدعمها بالوثائق، كما تصدر هيئة النزاهة الاتحادية وبشكل مستمر، بيانات عن اكتشافها ملفات فساد أو إصدار أحكام بحق مسؤولين سابقين، لكن أغلبهم في المحافظات أو إداريين في بعض الوزارات.
جدير بالذكر، أن منظمة الشفافية الدولية، وفي تقريرها العام الماضي، بشأن الدول الأكثر نزاهة والأقل، حصل العراق في المرتبة 157 من أصل 180 دولة.
يشار إلى أن العاصمة بغداد، احتضنت في أيلول سبتمبر 2021، مؤتمرا لاستعادة الأموال المنهوبة، بحضور مسؤولين عرب، وقد خرج البيان الختامي خاليا من خطوات حقيقية لاستعادة الأموال، بل اقتصر على الدعوات لمساعدة العراق في استعادة هذه الأموال التي تقدر بـ150 مليار دولار، بحسب ما صرح رئيس الجمهورية برهم صالح في حوار متلفز.
ومن وجهة نظر قانونية، يفيد الخبير القانوني علي التميمي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “كشف الذمم المالية نص عليه قانون هيئة النزاهة لعام 2011 في المادة 9، والتي تحقق أيضا ما ينص عليه قانون (من أين لك هذا)، وهي نص قانوني نافذ ويسري على الموظفين جميعا، وهو إجراء تقوم به الهيئة لمعرفة ما إذا كان هناك تجاوز مالي أم لا”.
ويوضح التميمي أن “هذه المادة تكفي لأداء الغرض ولا حاجة لتشريع قانون (من أين لك هذا)”، مبينا أنه “بعد إجراء التحقيقات والتثبت من وجود أموال زائدة يتضح أنها غير شرعية، تتم محاسبة ومعاقبة المدان وفقا لقانون العقوبات”.
يذكر أن لجنة النزاهة النيابية السابقة قدرت العام الماضي، حجم الأموال المهربة منذ 2003، بنحو 350 مليار دولار، أي ما يعادل 32 بالمئة من إيرادات العراق خلال هذه الأعوام.
ومن بين الأرقام المعلنة حول الأموال المهربة، هو ما طرحه وزير المالية السابق علي علاوي، حيث أكد أن قيمة الأموال هي 250 مليار دولار، سرقت من العراق منذ عام 2003.
وكانت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت أعلنت يوم أمس، أن هناك فسادا كبيرا في العراق يمثل تحديه الأكبر ويقف ضد تقدم البلد وتطوره.
يذكر أن رئيس الجمهورية السابق قدم العام الماضي، مشروع قانون “استرداد عوائد الفساد” إلى البرلمان، لاسترداد الأموال التي نهبت خلال سنوات ما بعد 2003، ويستهدف مشروع القانون كل من شغلوا مناصب مدير عام وما فوق في كل من الشركات الحكومية والعامة منذ إنشاء النظام الجديد عام 2004، وبموجب القانون، سيتم فحص المعاملات التي تزيد عن 500 ألف دولار بالإضافة إلى الحسابات المصرفية، ولاسيما تلك التي تحتوي على أكثر من مليون دولار، وسيتم إلغاء العقود أو الاستثمارات التي تم الحصول عليها عن طريق الفساد.