من فضل الانترنت وخيره وبركاته على الإنسانية، أن محركات بحثه تمتلك ذاكرة حديدية لا تقوى ذاكرة السياسيين ولا مستشاريهم ولا دفاتر أرشيفهم على مجاراتها. وهي جاهزة ليلاً ونهاراً صيفاً وشتاءً لتجتر ما سبق من أقوالهم، فتنبئهم بما كانوا يقولون. في السابق كان الباحث والصحفي والمتابع يستغرق وقتا طويلاً في البحث في طيات أرشيفه الورقي، وفي الصحف القديمة لكي يعثر على تصريح سابق يحاجج به المسؤول، ويذكره بأقواله ووعوده عندما يخلفها وقد لا يعثر على ضالته لكنه اليوم يستطيع بكبسة زر واحدة التحليق في سماء الويب، ليملأ أكياسه بأطنان الوعود التي يطلقها أي مسؤول في لحظة من لحظات النشوة التي تنتابه وهو يغدق على رعيته بوعود سرعان ما تذهب جفاء.
أزمة السكن في العراق واحدة من الأزمات المزمنة التي يتضخم ورمها المخيف كل عام، في ظل نمو سكاني يزداد سنوياً بنسبة 4 % وفي ظل غياب حقيقي للحلول الشاملة التي تأخذ بنظر الاعتبار الحاجة الحقيقية المتزايدة سنويا. وقد كشف وزير الاعمار والإسكان خلال ترؤسه بداية هذا الشهر الاجتماع الرابع لمجلس الإسكان الوطني خلال العام الحالي عن حاجة العراق لمليونين وخمسمائة ألف وحدة سكنية لغاية عام 2015، وثلاثة ملايين وخمسمائة ألف وحدة سكنية لغاية 2020. أي إننا نحتاج كل 5 سنوات لمليون وحدة سكنية تضاف إلى ما لم ينجز من حاجة السنوات السابقة، ولا يخفى أن من بين الحلول السريعة والخاطئة للأزمة التوزيع العشوائي للأراضي السكنية لموظفي الدولة وشرائح أخرى محدودة، وهو إجراء لا يحل هذه المشكلة حتى للمستفيدين، لأن قطعة الأرض هذه ستبقى تدور في مكاتب الدلالين وسماسرة الأراضي، أولاً لأن الرقع الجغرافية التي يتم اختيارها لا تعدو كونها منافي لا تصلح للسكن بكل المقاييس فهي بعيدة جدا عن أماكن العمل ولا تتوفر فيها ابسط مقومات الحياة كأرض النهروان التي وزعت للصحفيين مؤخراً وثانياً لأن الموظف ومحدود الدخل لا يستطيع تحمل تكاليف البناء وإذا تورط بسلفة فسيقضي عمره بدفع أقساطها لارتفاع نسبة الفائدة علاوة على خسارة مساحات شاسعة من الأراضي بسبب التوسع الأفقي.
وتذكرنا محركات البحث أنه في عام 2009 وتحديدا في شهر شباط قال رئيس الوزراء السيد نوري المالكي خلال لقائه وزير البلديات والأشغال العامة رياض غريب والوكلاء والمدراء العامين في الوزارة \”نحن متجهون للتعاقد مع شركات دولية لبناء 100 ألف إلى 200 ألف وحدة سكنية بمعدل عشرة آلاف وحدة سكنية في كل محافظة وكل وحدة بمساحة مائة متر مربع وهذه الوحدات تتوفر فيها خدمات البنى التحتية والمدارس وتعمل بالطاقة الشمسية ويمكن للمواطن الحصول عليها بمبلغ يصل إلى 46 ألف دولار تدفع بالتقسيط بعد مرور خمس سنوات.
ومن نافلة ما قاله أن النظام السابق كان يرفع الشعارات ويترك المواطن مسحوقا وخلفت سياساته نقصا كبيرا في الماء الصالح للشرب وخدمات الصرف الصحي رغم الإمكانيات التي يملكها العراق وعلينا اليوم عدم الاكتفاء بالشعارات والوعود لأن المواطن لا يتغذى بالشعارات. وأكثر ما أعجبني في حديثه إضافة لفقرة \”تعمل بالطاقة الشمسية\” قوله إن إتباع خطة بناء وتوزيع الشقق السكنية ستخلصنا من التوزيع العشوائي للأراضي السكنية وتنعكس ايجابيا على جمالية المدن وتصميمها الأساسي.
في تموز الماضي نقلت لنا وكالات الأنباء أن السيد رئيس الوزراء كشف عن قرب توزيع مئات الآلاف من القطع السكنية في بغداد والمحافظات ضمن مشروع يهدف إلى القضاء على أزمة السكن ودعم محدودي الدخل، وانه سيتم توزيع مئات الآلاف من القطع السكنية في بغداد ومن ثم المحافظات للسيطرة على أزمة السكن. ورغم أنه ألقى بالمسؤولية على مجلس النواب في توزيع الأراضي بدل الوحدات السكنية لأنه لم يشرع قانونا لتخصيص المبالغ اللازمة لبناء الوحدات السكنية للفقراء، فإن توزيع الأراضي لا يمكن أن يكون حلاً بديلاً لأن المستفيد سيضطر لبيعها وتسديد نفقات معيشية أخرى لأنه بكل الأحوال يعجز عن بنائها، و كان الأولى التعاقد مع مستثمرين وشركات متخصصة لبناء مجمعات سكنية بطريقة البناء العمودي تشمل مستويات عدة تبعا لدخل المستفيد الذي يدفع ثمنها على أقساط لا يقل أمدها عن 25 سنة وبذلك لا نحتاج إلى قانون تخصيص الأموال من مجلس النواب فالمستثمر سيقوم بالمهمة. أما فقرة الوحدات السكنية التي تتوفر فيها خدمات البنى التحتية والمدارس وتعمل بالطاقة الشمسية وحتى سعرها تم تحديده بدقة (46 ألف دولار) تدفع بالتقسيط بعد مرور خمس سنوات، وأما فقرة \”علينا اليوم عدم الاكتفاء بالشعارات والوعود لأن المواطن لا يتغذى بالشعارات\” فهو كلام شتاء محاه الصيف مثلما يمحو الصيف كلام الشتاء ومثلما يمحو النهار كلام الليل. تسألون من الذي محاه الحكومة أم البرلمان؟ وما أهمية ذلك للمواطن؟
imadabbass@yahoo.com