يلتم شمل الحفل، هنا مهرجان أقامه السيد المدير العام فلان الفلاني، جواره يجلس السيد الوزير فلان الفلاني أيضا، يبدأ الحفل او المهرجان او المؤتمر او ما تشاء بآيٍ من الذكر الحكيم، قبله وربما بعده –حسب درجة التقوى او الوطنية- يعزف السلام الوطني الفلسطيني الجنسية، موطني موطني، ربما يحتاج الأمر الى دقيقة صمت على شهداء العراق، ثم، تأتي التي لابد منها، منذ ان تأسست دولة عبادة الشخصية في العراق الى اليوم، كلمة السيد الوزير، يقولها مضيف الحفل بفخر، يقوم السيد الوزير، (يدكّم) ازرار سترته ويصعد الى المسرح، الكل يصفق له باحترام كبير، تصفيق حاد يدمي ايادي الممثلين، اقصد الموظفين، وحدهم الضيوف سيأتيهم الملل، يبدأ الوزير كلمته والتي تتحدث عن انجازات وزارته، وتنتهي عن انجازات وزارته أيضا، الكلمة تطول، يبدأ القرف يتسلل الى قلوب الجمهور، البعض يبدأ بالهمس للبعض الجالس جواره: \”هذا شطولها؟\” … \”أي والله\”، ترتسم الابتسامات على شفاه الحضور، البعض سخرية والبعض الاخر نفاقا وظيفيا، السيد الوزير المحترم يواصل سرد إنجازاته ثم يعبر الى جمل انشائية عن العراق وما يمر به، وضرورة الوحدة الوطنية ونبذ التناحر الطائفي والقومي، وكأن كلمة السيد الوزير المحترم ستوقف شلال الدم اليومي الذي نعيشه بقدرة بيانها الساحر، من يهمس لمعالي الوزير ان كلمته هذه التي ستتصدر غدا مع صورة كبيرة له، مجلة الوزارة، كما تفعل كل مكاتب الاعلام الوزارية؟ من يقول له ولو بالإشارة، معاليك، الجمهور بدأ يسخر منك، ويتململ؟ الأهم، من يقول له: معاليك، هذا سلوك متوارث من النظام السابق، عندما كان الوزراء ببدلاتهم العسكرية، وكروشهم التي يتدلى منها المسدس، يتمنطقون برأس الموظفين ثم ينهون كلمتهم ببرقية عهد ووفاء الى الرئيس القائد حفظه الله ورعاه، وعندما حدثت الحرب ودخلت القوات الامريكية الى البلد، لم يحفظ احدا عهوده هذه والكل هربوا الى دول الجوار او الى المعتقلات.
في نفسي غصة، اريد ان احضر فعالية عراقية، مهرجان او مؤتمر او أي نوع من لقاء دون كلمات افتتاحية تذكرنا بافتتاحيات جريدة الثورة أيام زمان، أتمنى ان يترفع المدير العام ويدعو وزيره الى الحفل وان لا يقدمه ليلقي كلمة انشائية، فقد سئمنا فلسفة واكاذيب رجال السياسة ووزراء المحاصصة الوطنية، سئمنا الكذب، سئمنا النفخ في الأجساد الجالسة فوق كراسي المناصب والتي تشبه كرسي الحلاق، في كل لحظة يجلس عليها إله جديد يطبل له مكتبه الإعلامي والمدراء ورؤساء الأقسام، الى اصغر موظف حكومي، يا اخوان شاهدوا شعوب العالم الحر كيف تتصرف، انها لا تعبد المسوؤل، بل الأخير هو الذي يعبدها، بل ويخاف منها، خادمها بحق، يقدم استقالته معتذرا حال أي تقصير كطفل مذنب.
قلتها واقولها من جديد، أتمنى ان أرى فعالية تقوم بها أي وزارة عراقية، تبدأ بالنشيد الوطني العراقي، شعرا وموسيقى، ثم بفعاليات المناسبة، لكني لا اخفي عليكم، اشعر بالقلق، فقبل أيام دعيت الى مؤتمر قامت به احدى مراكز البحوث في مكان ما تابع لوزارة ما وزيرها حزبي بامتياز، يعني لا تكنوقراط ولا هم يحزنون، وعند انتهاء المؤتمر اقترح احدهم ان نكتب برقية عهد ووفاء الى دولة رئيس الوزراء المحترم، قلت له، سيدي، اريد ان اسألك، هل تعرف في أي عام نحن الان؟ قال نعم، قلت له: اشك.