وصل الاسترخاء ذروته، حيث كان مستلقيا على إحدى الشواطئ الفلانية في تلك الدولة الفلانية التي تمتلئ بمئات السياح نسبة لجمالها، كان برفقة زوجته وأطفاله المرفهين وكان مياه الشاطئ يدغدغ قدميه وهو يحملق في سماء ليس كالسماء التي عندنا، هي خالية من دخان التفجيرات وصوت الطائرات.
ذهب ليسترخي بعيداً عن ضجيج العراق، لان أقرانه من أعضاء البرلمان شجعوه على ذلك، فلم يحتمل البقاء على قيد العراق وهو يشاهد سفر اغلب المسؤولين للاسترخاء كذالك. كل شيء يسير بسهولة فائقة فلم يكلفه عناء السفر وقطع التذاكر جهداً ووقتاً، لأنه يتمتع بهوية ساحرة تجعله يعلو فوق الكائنات، أوصلته الحماية إلى المطار معززاً مكرماً منتفخاً متغطرساً. أدار ظهره عن الوطن تاركاً وراءه أرصفة حمراء مغطاة بدماء الكادحين، وعشرات من (السوالف الغامضة) التي أغرقت الرعية بمئات المشاكل التي افتعلها الراعي. العيد عندهم غير الذي عندنا، فهم أعضاء البرلمان العراقي، وهذه الكلمة ما إن تطرق مسامعك حتى يتسلل إلى ذهنك المزايا والأرقام العالية من النقود والرفاهية العارمة التي يتمتعون بها وكل شيء. نعم أنهم يمتلكون كل شيء.
أكتب في وقت كشفت فيه معلومات إخبارية عن خلو أغلب مساحات المنطقة الخضراء من قاطنيها بعد سفر عوائل المسؤولين للتمتع بعطلة العيد، بعيداً عن هموم المواطن وأخباره التي تعكر مزاجهم وتفسد عليهم متعة الاحتفال بهذه المناسبة التي حرم منها اغلب أبناء الوطن. فقد كشف تقرير عن سفر 60 بالمائة من المسؤولين لقضاء عطلة العيد خارج أسوار الوطن.
نعم إنهم رحلوا ولم يبالوا بسرقة فرحة العيد من المواطن بسببهم، فهم تمتعوا وحرموا الشعب من التمتع. فبغداد يمر عيدها وسط أوضاع أمنية تكاد تكون الأسوأ بالنسبة للأعياد السابقة. طرق مقطوعة وغزوات شرسة جديدة تقودها كائنات شبه بشرية ترش على قلوبهم مبيد للرحمة.
ما يجعلني أنتقد سفرهم هو ما أراه من خلو قلوب المواطنين من تلك الفرحة، فيا ليتهم منحوا شعبهم قليلا من الآمان وظروف معيشية ملائمة تحفزهم على الاحتفال بهكذا مناسبة.
أطفال أغنى بلد يمر على بعضهم العيد وعيونهم تراقب ملابس هذا وملاعيب ذاك من الأطفال الأفضل حالاً. وبالرغم من أن العيد هو من حصتهم إن لم أكن مخطئاً لأن الكبار يقتصرون على تبادل التهاني والزيارات في أغلب الأحايين، إلا أن أطفالنا انقسموا بين ثقافة العنف المبانة من طريقة لعبهم وبين من يتحسرون على شراء الألعاب وبين من يمتلكونها ويخشون الخروج لدواع أمنية.
إن لم ابدوا متشائماً فهكذا يمر علينا العيد محمل بحواجز كونكريتية وغزوات إرهابية وثقافة عنف صبيانية ومنطقة خضراء هجروها أصحاب القدرة على السفر، تاركين وطناً يخلو من أدنى مقومات الاحتفال بهكذا مناسبات، وشعبا مرهقا بكل المقاييس. مع العلم إننا سنحتفل بطريقة تقليدية وسط عوائلنا، نلعن من كان السبب في تردي الأمن ونقص الخدمات ليكون في صبيحة كل عيد ماعون كليجة وشاي وطني مقدما من أمهاتنا الوطنيات وليبقوا هم يأكلون كليجتهم السياسية بأنوف غير وطنية، وكل عام وأنتم بوطن أجمل.
* كتب المقال بعيد العيد
** كاتب عراقي