فتح د. عبد الله الغذامي بابا واسعا لمناقشة الخطاب الديني في كتابه \”الفقيه الفضائي\” عام 2011، وباعتبار أن الرجل يتحدث عن واقع المذهب السلفي داخل المملكة العربية السعودية والتيارات الجديدة فيه بوجوه أبرزها سلمان العودة و برنامجه \”حجر الزاوية\” مرورا بعائض القرني والآخرين، كان فهم الكتاب موجها نحو تلك البيئة و الإعلام الديني المنطلق منها آنذاك.
تشهد شخصية السيد كمال الحيدري ذروة شهرتها اليوم. والرجل الذي بدأ مسيرته الدينية بجانبها الإعلامي من الإذاعة شكّل ظهوره على شاشة قناة الكوثر منذ سنوات وفي برنامج \”مطارحات في العقيدة\” منعرجا كبيرا زاد من محبيه ومبغضيه بالوتيرة نفسها. ذهنيا أجد ما كتبه الغذامي في كتاب \”الفقيه الفضائي\” ينطبق على تجربة السيد كمال الحيدري كثيرا مع بعض الاختلافات، فالحيدري لا يرى الفقه المنطقة الوحيدة له ولكل مرجع، بل يوجب على نفسه وعلى الآخرين التوسع في مجالات الفلسفة والعرفان وعلم الكلام، وهكذا لا يصح إطلاق مصطلح الفقيه الفضائي عليه بقدر ما يصح إطلاق مصطلح المرجع الفضائي، ولذا فنحن أمام تطور داخل المنظومة الشيعية يتناسب مع تطور الواقع ومدى اتصاله بالتكنولوجيا. والمرجع الأرضي لم يعد كافيا الآن كما هو حال الفقيه السلفي الأرضي الذي تحول إلى فضائي على حد قراءة الغذامي، وليس مستبعدا أن يكون الصراع الإيراني السعودي سببا في هذه القطبية والثنائية المتضادة.
ما يجعل مصطلح \”المرجع الفضائي\” مختلفا بالجزئيات شيعيا عمّا طرحه د. الغذامي سلفيا أن الأخير اعتمد على وجهة نظر الشاطبي الذي يرى \”وجوب الاجتهاد على العامي مثلما هو واجب على الفقيه العالم، وذلك لأن آراء الفقهاء بالنسبة إلى العوام هي مثل الأدلة بالنسبة إلى الفقيه\”. إن الحيدري يزيد من خصوصية مقام المرجعية ويجعلها أبعد منالا عن العوام من خلال رؤيته المتعلقة بتوسيع دائرة اختصاص المرجع خارج الفقه كما أسلفت. وهذا ما يجعل مرجعية الحيدري هي المرجعية الوحيدة المشتملة على هذه الخصائص حاليا من خلال إصدارات الحيدري المتواصلة في مجالات العرفان والفلسفة، فضلا عن محاضراته. والغريب دعم النظام الإيراني لتوجهاته عبر قناة إيرانية هي الكوثر/ سحر سابقا، رغم أن هذا يهدد مرجعية السيد الخامنئي الذي لا تحتوي قائمة إصداراته على مؤلفات عرفانية أو فلسفية، إلا إذا كان السيد الحيدري مرشحا لاستقطاب الشيعة العراقيين كمرجع يحمل خصائص تناسب ما يعيشونه وتحديدا صراعه اللانهائي مع الفكر السلفي عبر برنامجه \”مطارحات في العقيدة\” في الوقت الذي يعاني شيعة العراق من مرارة وجود التنظيمات السلفية على أرضه.
الغذامي الذي يقول في حوار معه \”إذا كنّا نقول إن الفقيه هو رمز اجتماعي وديني وثقافي فلا بد لهذا الفقيه أن يمارس دوره الرمزي ويكون سريعا في حركته بنفس درجة الزمن الذي نعيشه\” يجعلنا ننتبه إلى متغيرات رجل الدين الشيعي اليوم ومدى تقاربها مع هذا المفهوم، خصوصا أن السيد الحيدري، وهو مصداق ما أتحدث عنه يراقب أداء الدعاة من السنة والشيعة ليقول فيه رأيه أسبوعيا ويضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الناصبة والرافضة على حد سواء. وعليه فالمرجع الفضائي هو آخر المصطلحات التي يمكن تداولها حوزويا اليوم، وربما ليس لوقت طويل إذ لن يذهب المصطلح بعيدا بقدر ما تنقرض الحياة الحوزوية المنكفئة على نفسها وصورة المرجع الشيعي المقدسة والتي ترفض التصوير الحي حتى هذه اللحظة.