صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

كيف تحولت (الجدي) من قرية طافية في أهوار ميسان إلى أطلال في أرض جرداء؟

\”الجدي\” إحدى القرى الشهيرة في الأهوار الوسطى، وتقع جنوب قرية الصحين وشمال قرية الصيكل، أما غربها فتقع قرية الشطانية ومن شرقها تأتي قرية العكر. وتبعد \”الجدي\” عن مدينة العمارة حوالي 75 كلم، ولا شك أنها ليست أكبر قرى الأهوار الوسطى من حيث المساحة أو السكان، لكنها من أكثر قرى المنطقة اثارة للجدل.

 

يعرف سكان الأهوار قصة مشهورة متداولة فيما بينهم حصلت في أربعينيات القرن الماضي، حين قدمت إلى عمق الأهوار مجموعة من الفلاحين ممن عاشوا بالقرب من الأهوار، والسبب الذي دفعهم إلى الجلاء هو قسوة الاقطاع. قادتهم الظروف إلى استحداث قرية جديدة لم تكن مأهولة. ولأنهم لم يكونوا على معرفة بكامل خصوصيات تلك المنطقة بنوا بيوتهم فوق كتل من التهل، لكن موقع القرية كان على ضفاف إحدى البحيرات \”بركة\” ولم يكن التهل ثابتا بما يكفي. بعد بضعة سنوات وفي يوم عاصف تحرّكت الجزر الصغيرة الطافية فوق المياه من الاتجاه الأصلي إلى الاتجاه الآخر تماما، واستقرت هناك تلك المجموعة السكانية التي سميت بقرية الجدي.

 

في أحاديث شخصية مع كبار السن في تلك القرية عن تاريخها وعن المدرسة التي افتتحت فيها ذكروا أن الجدي لم تكن فيها مدرسة حتى منتصف الستينات رغم انتشار المدارس في معظم قرى الأهوار منذ العام 1958 وربما قبل ذلك. وحين طالبوا بتأسيس مدرسة ترددت الجهات المعنية لعدم وجود يابسة تبنى عليها، وحينها تعهد أهالي المنطقة بصناعة جزيرة خاصة \”جباشة\” لتلك المدرسة، واختير المكان وحددت المساحة في منطقة مغمورة بالمياه، وقسمت المساحة على قبائل وبيوتات القرية وبالعمل الشعبي بوشر بتأسيس جزيرة للمدرسة. غرس القصب في القاع وكسر بمستوى أعلى من الماء في اتجاهات مختلفة كي يشكل سقفا أوليا، ثم وضع فوقه القصب والبردي بشكل أفقي. في الأثناء كان الأهالي يستخرجون كتل الطين من القاع ويلقونها فوق تلك \”الجباشة\” كي تتماسك وتتحول إلى يابسة يمكن البناء فوقها، وبعد أن تمت عملية صناعة الجزيرة الصغيرة؛ وزعت عملية البناء على السكان أيضا حيث تكفلت كل مجموعة ببناء صف وهو عبارة عن صريفة من القصب. وهكذا أسست المدرسة الابتدائية في قرية الجدي!

كيف تحولت (الجدي) من قرية طافية في أهوار ميسان إلى أطلال في أرض جرداء؟

 رحيم راضي منحوش الحميدواي (يمين)، وكاظم سهم رويشد الفتلاوي، من شيوخ الجدي (العالم الجديد)

 

ثم بعد سنوات استبدلت الصرائف ببناية من البردي المضغوط، وهذا النوع من البنايات انتشر في الكثير من القرى بالنسبة للبنايات المدرسية والمراكز الصحية.

 

بعد العام 1991 وحين أصبحت الأهوار بكاملها تحت سيطرة ثوار \”المقاومة الإسلامية في العراق\” وبعد فشل حملات الشتاء والصيف التي شنها الجيش العراقي على الأهوار تغيّرت المعادلة وقرر نظام صدام حسين اتباع أسلوب آخر، وهو بناء ساتر ترابي يشق عمق الأهوار ابتداء من قرية الشطانية الواقعة في منطقة الجزيرة بين ناحيتي السلام والاصلاح. يمر ذلك الساتر الترابي العريض عبر قرية الجدي التي تمثل موقعا استراتيجيا بالنسبة للمسلحين في الأهوار. إنه مشروع يقطّع أوصال الأهوار قطعا قطعا، لكن فرقة النداء التابعة للحرس الجمهوري والتي كانت تتكفل بذلك المشروع لم تستطع أن تتقدم كيلومترا واحدا في تلك المنطقة، حيث واجهت مقاومة قوية استمرت قرابة 6 أشهر، وفي نهاية المطاف تكبد الجيش فيها خسائر فادحة أجبرته على تغيير الأسلوب والتراجع عن تلك الخطة واستبدالها بخطة أخرى هي مشروع تجفيف الأهوار بشكل كامل عبر سلسلة من المراحل، لتتحول بعد ذلك قرية الجدي وغيرها من قرى الأهوار إلى مجرد ذكرى وأطلال أبرز ما فيها ما تبقى من عروق القصب.

أقرأ أيضا