كشف تصنيف دولي عن تحقيق العراق أكبر فائض تجاري في العام الماضي، إلا أن متخصصين بالاقتصاد أكدوا أن ذلك مرتبط ببيع النفط وزيادة أسعاره العالمية، وغياب موازنة ذلك العام، ما انعكس على تقليل قيمة الاستيرادات الحكومية، نافين أي علاقة لذلك بإنتاج السلع الأخرى وتصديرها.
ويقول الباحث في الشأن الاقتصادي علاء جلوب الفهد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تحقيق العراق أكبر فائض تجاري للعام الماضي 2022، يعود لعدم وجود موازنة في تلك السنة، وأغلب الإنفاق والاستيرادات التي قامت بها الحكومة، هي نفقات لتمويل النشاط الحكومي، فجميع المشاريع كانت متوقفة، وهذه المشاريع تنفذ من قبل القطاع الخاص، وهذا القطاع هو من يستورد، فـ75 بالمئة من النشاط التجاري يعتمد على الموازنة”.
وكشفت إحصائية أجرتها شركة statista الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، يوم أمس الاثنين، أن العراق حقق أكبر فائض تجاري للعام الماضي 2022 على مدى 10 سنوات ماضية، حيث بلغ مقدار الفائض 53.54 مليار دولار مرتفعا بنسبة 64 بالمئة عن عام 2021.
والفائض التجاري (Trade Surplus)، حسب التعريف العلمي له، يسمى أيضا الميزان التجاري الإيجابي، وهو: مصطلح اقتصادي يشير إلى حالة الميزان التجاري لبلد معين وذلك حين تكون قيمة الصادرات، أعلى من قيمة الواردات التي استُقْدِمَت من خارج البلد.
ويعزو الفهد، أسباب تلك الوفرة والفائض المالي، إلى “ارتفاع أسعار النفط من جهة، وعدم صرف الموازنة الاستثمارية من جهة أخرى، ما أدى إلى توقف الاستيرادات بشكل شبه تام، ولا يعني أن العراق قد أنتج أكثر مما استورد”.
ويلفت إلى أن “النشاط الصناعي والزراعي في العراق هو خجول جداً، ولا تتعدى مساهمة القطاع الصناعي في مجمل الإنتاج المحلي مقدار واحد بالمئة”.
اقرأ أيضا: هل ينجح العراق في تنويع الإيرادات “غير النفطية”؟
ومضى العام 2022، دون موازنة اتحادية، بسبب الأزمة السياسية التي كانت قائمة آنذاك، فيما أقر هذا العام موازنة، هي الأكبر بتاريخ البلد بقيمة 198 مليار دولار.
يذكر أن صندوق النقد الدولي، سبق وأن حذر من مستقبل مظلم للاقتصاد العراقي، على خلفية الموازنة الأكبر، كما طالبت منظمات دولية بترشيقها وخاصة الرواتب.
ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، الذي من المفترض أن يساهم بتشغيل شرائح عديدة من المجتمع، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوع تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل يستمر التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.
وفضلا عن القطاع الحكومي، فإن مشاريع القطاع الخاص، شهدت توقفا، بل وانهيارا كبيرا نتيجة لعدم توفر البنى التحتية للإنتاج، من تيار كهربائي أو حماية لازمة، خاصة في ظل الأحداث الأمنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على السوق العراقي الذي تحول إلى مستهلك للبضائع المستوردة.
من جهته، يبين الباحث المختص في الشأن الاقتصادي نبيل جبار التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق حقق أكبر فائض تجاري للعام الماضي 2022، بمعنى أنه حقق أعلى إيراد مقابل تبادل الاستيراد، فالعراق استورد بما يقارب 50 مليار دولار، لكن حجم الصادرات والتي هي صادرات نفطية هي أعلى بفضل ارتفاع أسعار النفط عالميا خلال تلك السنة، وحقق منها ما يزيد عن 100 مليار دولار”.
ويلفت التميمي، إلى أن “هذا الفرق هو الذي مكن العراق من أن يحقق أكبر فائض تجاري للعام الماضي، وليس فعلا لوجود إنتاج محلي أكبر من الاستيرادات الخارجية، فالعراق لا يملك أي شيء يصدره بشكل حقيقي غير النفط، وأن ارتفاع أسعاره، هي المتحكم بقضية تحقيق العراق أي فائض تجاري من عدمه”.
يذكر أن مجلة global Finance الأمريكية التي تعنى بالأمور المالية والاقتصادية لدول العالم، قد صنفت العراق في المرتبة السادسة عالميا كأسرع الدول نموا للناتج المحلي، في العام 2022، و بمعدل نمو بلغت نسبته 9.7 بالمئة، وقد عدته الحكومة إنجازا، لكن متخصصين كشفوا أنه مرتبط بارتفاع أسعار النفط لمستويات قياسية، وليس نتاج خطة اقتصادية حكومية.
وغالبا ما يتصدر العراق منذ عام 2003، قوائم المستوردين لمختلف البضائع الصناعية والزراعية، سواء من تركيا أو إيران، إلى جانب احتلاله مراتب متقدمة كمستورد من الأردن ودول الخليج، فيما بلغ حجم استيراداته من الصين بنحو 50 مليار دولار.
يذكر أن شركات وزارة الصناعة والمعادن، كانت تمدّ السوق قبل 2003 بحاجته، أما الآن فقد تراجعت لأسباب عدة أبرزها فتح أبواب الاستيراد وانعدام القيود الرقابية، وخلق منافسين كثيرين للمنتج المحلي، على الرغم من جودة الأخير وخضوعه للسيطرة النوعية.