صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

كيف سيشارك العراق في الحرب السورية؟

مع تفجر الأزمة الأمنية الأخيرة في سوريا وسيطرة جماعات مسلحة فيها على مدن كبرى، اتسعت التساؤلات عن طبيعة المشاركة العراقية في هذه الحرب، لاسيما بعد المكالمة الهاتفية لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني التي دعم فيها رئيس النظام السوري بشار الأسد.

وفي هذا الشأن، أكد مراقبون سياسيون وأمنيون أن موقف العراق خاضع إلى الموقف الإيراني الداعم للأسد، وأشاروا إلى أن المساعدة العراقية واردة سواء رسمية على المستوى الحكومي أم غير رسمية تتمثل بالفصائل المسلحة، على الرغم من أن التهديد الأمني مازال بعيدا عن العراق، وفقا لأحد المتحدثين.

وعن مشاركة العراق في هذه الحرب وطبيعتها، يؤكد الخبير في الشأن الأمني علاء النشوع، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المشاركة العراقية هي موجودة أصلا قبل الأحداث الأخيرة، على الرغم من أن وجود فصائل عراقية على الأرض السورية لحماية النظام مخالف للدستور العراقي والقانون الدولي ومقررات الجامعة العربية لأن هذا العمل يناقض موقف العراق الرسمي الذي يدعو إلى عدم التدخل في أي صراعات إقليمية ودولية، وهو ما يجعل هذه المواقف للاستهلاك الإعلامي”.

ويضيف النشوع، أن “الموقف العراقي تجاه نظام الأسد خاضع بالأساس إلى الموقف الإيراني الذي يدعم النظام السوري وبكل قوة لأسباب سياسية واقتصادية بحتة”، مستدركا أن “هناك علاقات بين الأمن القومي السوري والعراقي من ناحية العمق الاستراتيجي، ولكن هذا المفهوم والمبدأ انتهى بعد التدخل الإيراني التركي الروسي في سوريا والعراق”.

وعن تهديد الجماعات المسلحة السورية لأمن العراق، يجد أن “المشهد السوري لا يمثل أي تهديد للعراق لأسباب كثيرة، منها أن المسافة بين الحدود العراقية ومنطقة العمليات العسكرية بين الجيش السوري والمعارضة، تبعد أكثر من 500 كلم، إضافة إلى أن هذه الجماعات لا تمتلك أي مقومات حربية تستطيع أن تصل بها إلى الحدود العراقية ومنها الإمكانات الجوية والبرية”.

ويشرح النشوع أن “هذه القوات لا تقوم بأي تحركات على الحدود العراقية السورية والعمليات تجري في العمق السوري فقط، إذ يظهر من خلال دراسة منطقة العمليات ووجود معارك كر وفر مابين الأطراف المتصارعة، أن الخطط العسكرية تخضع إلى التخطيط الميداني العملياتي الداخلي وليس الخارجي”.

ويجد أن “التحرك المباغت لهذه الجماعات السورية التي تطلق على عملياتها اسم ردع العدوان جعل الكثير من الدول ومنها العراق أن تقف بوجهها وتقدم الدعم والمساندة للنظام السوري، لأنها تخشى تكرار سيناريو 2014 في العراق”.

وخلال يومين نجحت جماعات مسلحة تسمي نفسها المعارضة السورية، عبر هجوم مباغت، في اجتياح مدينة حلب والسيطرة الفعلية على أجزاء واسعة منها، وسط انسحاب قوات الجيش السوري من الكثير من المواقع داخل المدينة، وامتدت المواجهات العسكرية من مدينة حلب وريفها إلى محورين آخرين، الأول من الجهة الشرقية لمدينة حلب، والآخر ينطلق من ريف محافظة إدلب باتجاه أطراف حماة.

وذكرت هذه القوات إن الهجوم الأخير جاء “ردا على الضربات المتزايدة التي شنتها القوات الجوية الروسية والسورية في الأسابيع القليلة الماضية ضد المدنيين في مناطق بإدلب وأيضا لاستباق أي هجمات من الجيش السوري”.

وبدأ الهجوم خلال مرحلة حرجة يمر بها الشرق الأوسط مع سريان وقف إطلاق نار هش في لبنان بين إسرائيل وحزب الله اللبناني الذي يقاتل منذ سنوات إلى جانب قوات النظام في سوريا، كما شهد ردود أفعال إقليمية مختلفة.

ويوم أمس، أكّد السوداني خلال اتصال هاتفي جمعه بالأسد، أنّ أمن سوريا واستقرارها يرتبطان بالأمن القومي للعراق، ويؤثران في الأمن الإقليمي عموماً، ومساعي ترسيخ الاستقرار في الشرق الأوسط.

كما أكد مجلس الاستخبارات الوطني، أمس الأحد، أن ما يجري في سوريا هو أعمال إرهابية، وأن العراق سيقف “إلى جانب الشعب السوري الشقيق وجيشه البطل في مواجهة الإرهاب”.

من جهته، يعتقد رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الموقف الذي اتخذه السوداني يماثل الموقف الذي اتخذه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في ولايته الثانية حينما دعم نظام الأسد وكان لذلك الموقف تداعيات آنذاك، لكن الآن وبحكم التطورات يعتقد السوداني أن ما يجري في سوريا قد يخلف تبعات ثقيلة جدا على الداخل العراقي”.

ويرى الشمري، أن “قضية تقديم المساعدة أمر وارد، خصوصا وأن العراق جزء من التحالف الرباعي الذي لا يزال قائما ويشمل العراق وروسيا وإيران وسوريا، إضافة إلى أن العراق يمتلك تعاملا مميزا على المستوى الثنائي مع سوريا، فهناك مبعوث عراقي خاص وتنسيق أمني عال، والبيان الذي صدر من مكتب السوداني يبين أن العراق سيكون جزءا من هذا الدعم”.

وعن موقف الفصائل العراقية، يشير إلى أنها “ستعمل بشكل واضح على الدخول إلى الأراضي السورية وتعزز تواجدها هناك لاسيما أنها تؤمن بأن مواجهة هذه الجماعات أو ما تعرف بالمعارضة السورية في الداخل السوري أفضل من أن تواجهها في الداخل العراقي، وهناك اجتماعات جرت بين الفصائل لتقييم الموقف”، لافتا إلى أن “الخطوات العراقية سواء الرسمية وشبه الرسمية هي أشبه بالردع الاستباقي ومحاولة لإظهار القوة أمام تفكير هذه الجماعات إذا ما قررت الدخول إلى العراق”.

وأفاد مصدران عسكريان سوريان، اليوم الاثنين، بأن فصائل موالية لإيران قد عبرت من العراق إلى سوريا للمساعدة في دعم القوات السورية في المعارك الجارية، وذكر المصدران بحسب وكالة “رويترز”، أن هذه الفصائل تهدف إلى تعزيز القوات السورية في بعض الجبهات المتوترة، في وقت تشهد فيه البلاد تصعيدا في العمليات العسكرية.

وأعلن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول، اليوم الاثنين، عن تحريك “قطعات مدرعة” من الجيش، باتجاه حدود البلاد الغربية، وأوضح رسول أن تلك القطاعات ستتمركز على الحدود المنفتحة من منطقة القائم جنوبا، إلى أن تصل إلى حدود الأردن.

إلى ذلك، يرى مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق من الناحية النظرية وعلى صعيد العلاقات مع الجوار الجغرافي والسياسي يتأثر بما يحصل في جواره، والحرب التي اندلعت في سوريا مؤكد أنها ستنعكس على الأوضاع في العراق”.

ويضيف فيصل، أن “حديث السوداني أكد أن الأمن القومي متبادل بين العراق وسوريا، فالأول يحرص على أن يكون جواره مستقرا اقتصاديا وسياسيا لكي يضمن استقرار الأمن الداخلي، فعندما اندلعت الحرب في لبنان وصل الكثير من النازحين إلى العراق، وهؤلاء يحتاجون إلى كلفة ورعاية وسكن، إضافة إلى التأثير على المشهد الأمني”.

ويرى أن “موقف العراق هو أن تذهب سوريا إلى حسم مشكلاتها الداخلية بما لا يؤثر على جوارها الجغرافي”، مؤكدا أن “الحماية الحدودية التي يتخذها العراق مقبولة إلى حد ما، بحسب الإجراءات التي اتخذتها القيادات العراقية، ولكن هذا غير كاف، لأن هذه الحرب قد تهدد بظهور خلايا داعش مرة أخرى التي ظهرت مرات عديدة في مرتفعات حمرين وكافحتها القوات العراقية”.

وكان مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي أكد أن القوات المسلحة اتخذت كل الإجراءات الاحترازية لتأمين الحدود مع سوريا، وطمأن بأن “الحدود آمنة جدا ومحصنة بالكامل ولا يوجد أي تسلل ولن يكون هناك أي تسلل”.

إقرأ أيضا