رغم الطابع الاحتفالي الذي يرافق استضافة بغداد للقمة العربية، إلا أن المهمة الحقيقية تبدأ مع تولي العراق رئاسة القمة لعام كامل، وما يترتب عليها من مسؤوليات حيال ملفات عربية معقدة كاليمن وليبيا والسودان ولبنان وغزة، وبينما تعتبر الحكومة هذا الحدث فرصة لإطلاق مبادرات إقليمية، يرى مراقبون أن نجاح العراق في هذا الدور مرهون بقدرته على مغادرة موقع المتلقي والانخراط كلاعب فاعل، في وقت ما تزال فيه أدواته السياسية والدبلوماسية موضع شك، سواء من حيث الفاعلية أو النفوذ.
ويقول رئيس مركز الإعلام في واشنطن نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العراق في وضعه الراهن، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، لا يمتلك القدرة على لعب دور محوري في الجامعة العربية، فلا هو غني كدول الخليج ليؤثر اقتصاديا، ولا مستقر كالقاهرة أو الرياض ليقود تحالفات أمنية أو سياسية، كما أنه لا يملك ثقلا استثنائيا يسمح له بسد الفراغ العربي”.
ويضيف حيدر، أن “أبرز ما يمكن للعراق تحقيقه من القمة هو مجرد انعقادها في بغداد، وهو بحد ذاته إنجاز معنوي، لكنه لا يترجم بالضرورة إلى مكاسب عملية”، مشيرا إلى أن “واقع العمل العربي المشترك لم يعد يقوم على القمم الجماعية، بل تحول إلى تحالفات ثنائية أو ثلاثية، تبني من خلالها الدول استراتيجياتها ومشاريعها بمعزل عن الجامعة العربية، وهو ما أضعف دور القمم، وجعلها مناسبات بروتوكولية لتبادل الخطابات، لا أكثر”.
وتبدأ اليوم السبت، أعمال القمة العربية بدورتها الـ34، في العاصمة بغداد، بعد اجتماعات عديدة عقدت خلال الأيام الماضية على مستوى الوزراء، بشأن العلاقات والاقتصاد، فضلا عن القمة التنموية العربية أيضا، التي ستعقد في بغداد.
وتشهد المنطقة العديد من القضايا الكبرى مثل النزاع في اليمن، والصراع الدامي في السودان، والانقسام الليبي، والحرب في غزة، إلى جانب الملف السوري.
وبالتوازي مع الأبعاد السياسية للقمة، كشفت الحكومة العراقية عن إعداد 18 مبادرة قالت إنها ستطرح على القمم الثلاث التي انعقدت في بغداد، وهي القمة العربية الاعتيادية، والقمة التنموية، وقمة آلية التعاون الثلاثي مع مصر والأردن.
وبحسب المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي، فقد جرى إقرار خمس مبادرات عراقية خلال الاجتماع الوزاري لوزراء الخارجية العرب، تضمنت ملفات التعاون الأمني، ومكافحة الإرهاب والمخدرات، فيما توزعت المبادرات الثلاث عشرة المتبقية على الجوانب الاقتصادية.
ومن بين أبرز ما أعلن عنه، مبادرة تدعو إلى إنشاء صندوق عربي لإعمار غزة ولبنان، في خطوة تهدف إلى تعزيز دور العراق في الملفات الإنسانية والتنموية، وإبراز موقعه كفاعل إقليمي يسعى لتقديم حلول لا تقتصر على الجوانب السياسية فقط.
“نافذة دبلوماسية”
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة عائد الهلالي، خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “العراق وإن لم يمتلك شبكة العلاقات الإقليمية والدولية الواسعة التي تتمتع بها بعض الدول العربية الأخرى، إلا أن موقعه الجغرافي وتجربته في إدارة الأزمات يمنحانه مؤهلات للعب دور الوسيط المحايد في الملفات الإقليمية المعقدة، خصوصا في أزمات مثل السودان وسوريا، إذ أن وجود التحالفات الحادة قد تفقد بعض الدول مصداقيتها، ما يمنح العراق فرصة للعب هذا الدور بثقة من الأطراف المتنازعة”.
ويتابع الهلالي، أن “رئاسة القمة يمكن أن تفتح أمام العراق نوافذ دبلوماسية جديدة، وتستخدم كمنصة لبناء جسور ثقة مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، ما يسهم في توسيع نفوذه السياسي وتعزيز مكانته العربية”.
ويشير إلى أن “تحويل هذا المنصب من مجرد واجهة شرفية إلى ورقة استراتيجية بيد العراق، يتوقف على إرادة القيادة السياسية، ومدى استعدادها للخروج من إطار التلقي إلى دائرة المبادرة وصناعة الحدث”.
ووصف وزير الخارجية، فؤاد حسين، القمة العربية، بأنها محاولة لتوحيد المواقف ولمّ الشمل في مواجهة أزمات تشهدها المنطقة، مشيرا إلى أن تزامن قمة بغداد مع القمة الخليجية- الأمريكية في الرياض يصبّ في مصلحة المنطقة.
وتعقد القمة هذا العام تحت شعار “حوار وتضامن وتنمية”، وسط تطلعات عربية لرسم خارطة طريق مشتركة، تعالج التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة، وتعزز العمل العربي المشترك.
“أخطاء” النظام السابق
من جانبه، يبين المحلل السياسي رافد العطواني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق يستطيع لعب دور مهم في هذه الملفات، إذا ما طور أدواته في السياسة الخارجية، وتهيئة الأرضية المناسبة لذلك، وأولها حصر السلاح بيد الدولة، وتبني أيديولوجية واضحة تنسجم مع التوجه العربي العام وطبيعة المجتمع العراقي”.
ويلفت العطواني، إلى أن “تحقيق هذا الهدف يتطلب وجود قرار وطني موحّد، وهو ما تفتقده الحكومات العراقية حتى الآن، في ظل هيمنة العقلية الحزبية الضيقة والتنافس السياسي الذي غالبا ما يشتغل لمصالحه، بل لا تزال بعض الأحزاب ترفض تفاعل العراق مع المحيط العربي”.
ويستطرد أن “العراق يجب أن لا يكرر أخطاء النظام السابق في التعامل مع الدول العربية، فاليوم هناك واقع عربي مختلف، قائم على مصالح اقتصادية قوية وتحالفات دقيقة، ما يتطلب وجود قيادة تجيد فن الدبلوماسية الخارجية وتضع مصلحة البلاد فوق الحسابات الفئوية”.
يذكر أن بغداد، استضافت 4 قمم، وكانت الأولى عام 1978، وكان العراق في حينها يعيش استقرارا سياسيا نسبيا، وكانت برئاسة الرئيس العراقي آنذاك، أحمد حسن البكر.
والقمة الثانية، في عام 1990، وكانت في عهد رئيس النظام السابق صدام حسين، وفي حينها كانت استثنائية، ورغم التوتر وإنتهاء الحرب مع إيران، فإن القمة شهدت حضور معظم الزعماء العرب.
والقمة الثالثة، عقدت في العام 2012، بعد أكثر من عقدين من الغياب، وشارك فيها الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.