كنتُ منهمكا بكتابة هذا المقال عندما رفعت رأسي ورأيتُ عددا كبيرا، لا يحصى، من الجنود المدججين بالسلاح، بالخوذ، وبأيديهم عصى مطاطية: بعيون متقدة من الغضب رمقوني من باب الغرفة، واحدا واحدا، ثم طافوا البيت كله: فتشوا الغرف، تحت الأسرة، وفوق رفوف المطبخ: كشّفوا القدور، دلقوا معجون الطماطة: أعني راتبي الذي تحول إلى باذنجان وزيت، ولم يكتفوا، ففتحوا حنفيات المياه، جميع حنفيات المياه، ووقفوا منتظرين سقوط دمعة واحدة في صحن شكوكهم الظامئ، ولم ييأسوا فجلسوا على الكراسي، وعلى الارض، ثم ناموا وسمعت شخيرهم، واستيقظوا وقاموا: رجال بلحى تصل الارض، ومراهقون يترنمون باناشيد دينية، وبأحزمتهم خناجر وسيوف وهواتف نقالة واجهزة ترصد حركة الزمان وتجبر التاريخ على العودة الى الوراء، وهم يترنمون باناشيد حماسية، واحيانا يشقون ثيابهم ويلطمون، يتناوحون وينهضون ويركضون في كل مكان، ثم يخرجون مثلما جاؤوا، مخلفين وراءهم اطلاقات طائشة، تطوف هي الاخرى، في ذكرياتي وتغتال صوفيا لورين، شهادتي الجامعية، قصائدي سيئة الحظ، وحبيباتي الخائبات في مدن الاخرين.
لم أهتم، وواصلت الكتابة، غير عابئ بضجة موكب آخر اقتحم البيت، واحتل جميع الغرف: السطح، والحمّام والمكتبة: رجال ونساء، معممون وملايات، برلمانيون وخبراء في الكهرباء والنفط، حفّارو قبور ومذيعون وكتّاب مقالات وشعراء وساسة وايرانيون وعفالقة.. طافوا البيت ونظروا الي بريبة، واحدا واحدا ثم خرجوا من البيت مثلما جاؤوا.
كان عليّ أن أنهي المقال بسرعة، لكن نظرة من النافذة احبطتني، إذ رأيتُ اليهم يحاصرون البيت من كل مكان، مسنودين بطائرات مروحية تطوف حول المكان، وتتقدمهم دبابات ومدافع: انتحاريون بأحزمة ناسفة، سيارات مفخخة ومصفحات ليزرية، وهناك خيام منصوبة: شعب من الغبار والقتلى، من الملوك والانبياء واللصوص..
وعندما حاولت ان اعرف ماهي القصة، قيل لي: إن ثمة ارهابيين فرّوا من السجن، وأن عليكَ أن تخبرنا بمكانهم..
ـ لكنني لا اعرف أحدا، كما أنني غريب عن عالمكم هذا، فاتركوني بحالي!
ـ إن ذلك هو مبعث ريبتنا منك، وسنترك اعمالنا في البرلمان والحكومة والوزارات وفي الخدمات وفي الامن، بل سنلغي كل خططنا الخمسية الانفجارية، وسنترك مناصبنا، وسنتظاهر وسنتوقف عن كل شيء: لن نسرق، لن نكذب، لن نتخابر مع الاجنبي، وسيتوقف القتل، الانفجارات والحرائق، وسنعتصم حول باب بيتك إلى أن تتحقق مطاليبنا فتخبرنا: كيف، وإلى أين فرّ الارهابيون من السجن؟