صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

لاجئ سويدي إيراني متخفٍ في بغداد تقاذفته 3 سجون عراقية وأهملته ستوكهولم (فيديو وصور)

تسرد “العالم الجديد” بالوثائق قصة لاجئ سياسي سويدي من أصل إيراني، مختبئ في العاصمة بغداد، بعد قضائه أكثر من عام في ثلاثة سجون عراقية، تعرض خلالها للابتزاز والتعذيب والتهديد، قبل أن يقرر قاضي الإنتربول في بغداد، إطلاق سراحه بكفالة بعد إضرابه عن الطعام وتدهور حالته الصحية، في ظل إهمال السفارة السويدية في بغداد، وقنصليتها في أربيل، وتركه وحيدا دون مساعدة أو رعاية أو انتداب محام له، أو حتى منحه مستمسكا رسميا، ليواجه مصيرا مجهولا، وفي رعاية أحد الناشطين المدافعين عن حقوق الإنسان في العاصمة، ولا يمكنه الخروج أو التنقل أو العودة إلى محل إقامته.

اللاجئ المتخفي عن الأنظار، تحدث عن وقوعه ضحية لصفقة تبادل دولية للسجناء وتحديدا بين إيران والسويد، ولتوتر العلاقات العراقية السويدية عقب ردود الأفعال غير المحسوبة لحرق نسخة من القرآن الكريم، ولطبيعة العلاقة بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان.

ويقول اللاجئ السويدي، من أصل إيراني محمد رضا خادمي (58 عاما) في حديث لمراسل “العالم الجديد”: “كنت قد غادرت إيران عام 2003 واتجهت إلى أوروبا حتى حصولي على اللجوء السياسي في السويد عام 2022 لأني كنت أمارس عملا سياسيا وصحفيا يزعج النظام الإيراني”.

ويضيف: “خططت للذهاب إلى مدينة السليمانية في العراق للقاء عائلتي التي يفترض أنها جاءت بأموالي بعد بيعها لمنزلي في إيران، واللحاق بي من أجل جمع الشمل”.

ويتابع بنبرة حزن عن الأيام التي عاشها هناك، “لقد وصلت السليمانية في 7 نيسان أبريل 2023، وفوجئت فور وصولي للمطار وقبل الوصول إلى البوابة حتى، بقوة أمنية مكونة من ثلاثة رجال، اقتادتني مباشرة إلى السجن”.

تصريح خاص للاجئ السويدي الإيراني من مخبئه في بغداد

اعتقال من أجل المقايضة

“بعد استفساري عن سبب اعتقالي، أجابوني بأني مطلوب في بغداد، ولابد من تسليمي إلى الحكومة المركزية، كما فوجئت بأنهم كانوا يحملون ملفا كاملا عني هناك تضمن قصة ذهابي للسويد وكل شيء”و يقول خادمي.

ويلفت إلى أن “رجال أمن إيرانيين قابلوني في السجن من دون وجه قانوني، وطلبوا مني هناك صراحة العودة إلى إيران وتقديم شهادة شفهية إلى التلفزيون الرسمي، تظهر ندمي، مقابل إسقاط التهم عني، لكوني كنت أمارس عملا صحفيا وسياسيا معارضا ومحكوما هناك بالإعدام، وتخفيف الضغوط على عائلتي أيضا، والممنوعة من السفر، كونهم لا يريدون شيئا مني، وأن المطلوب من كل ذلك هو الإفراج عن حميد نوري (السجين الإيراني المطلق سراحه مؤخرا في السويد)، وأنه بمجرد الافراج عنه سأعود إلى السويد، كما قدموا لي ورقة ضمان بعدم ملاحقتي، إلا أنني رفضت، وبقيت في السجن”.

وكانت إيران، أعلنت في حزيران يونيو الماضي، عن الإفراج عن حميد نوري، الذي احتُجز في السويد، عام 2019 وحُكم عليه في 2023 بالسجن مدى الحياة لدوره في عمليات إعدام جماعية لمعارضين أمرت بها طهران في العام 1988. 

وينتقد ضمنا عملية اعتقال نوري، بالقول إن “السويد لم تكن تنظر إلى أبعاد هذه القضية عندما قامت بسجنه، فهي لا تملك قوة الولايات المتحدة، ولا تملك أوراقا قوية بيدها ضد إيران، وهو ما دفع الأخيرة إلى وضع جميع مواطني الدولة السويدية حتى اللاجئين والحاصلين على جنسياتها هدفا لها، وكان هذا سبب اعتقالي واعتقال غيري من حملة الجنسية السويدية”، منتقدا “تحول المواطنين واللاجئين حول العالم إلى ورقة للمساومة والصفقات والأجندات الدولية”.

وساطة مقابل المال 

ويوضح “في سجن السليمانية عرض علي بعض الوسطاء، إطلاق سراحي وإعادتي للسويد من خلال إرسالي إلى بغداد، وذلك مقابل مبلغ مالي وقدره 580 ألف دولار، وقد اشترطت عليهم قبل تسليم المبلغ أن أذهب إلى بغداد جوا وليس برا، خوفا من خطفي في الطريق وإرسالي برا إلى إيران كما حدث مع آخرين، فوافقوا على ذلك، لكنهم قالوا لي بأنه سيتم إرسالي أولا إلى أربيل ليتم إرسالي من هناك بشكل رسمي إلى بغداد، ولزيادة طمأنتي قاموا بجلب ورقة رسمية من القضاء العراقي بضرورة نقلي إلى بغداد”.

بقاء على مضض وإضراب عن الطعام

ويتابع: “في 30 آيار مايو 2023 وصلت إلى أربيل، وفي ذلك الوقت كان سلوان موميكا (اللاجئ العراقي في السويد) قد قام بحرق نسخة من القرآن الكريم في السويد، مما ترك تأثيره المباشر على قضيتي، حيث امتنعت السلطات في أربيل عن إرسالي إلى بغداد بذريعة الخوف على أمني الشخصي، مؤكدين لي بالقول، أمنك من مسؤوليتنا ومن الممكن أن ينالك الضرر بسبب موجة العداء الكبيرة هناك ضد السويد، وهذا ما أيدته القنصلية السويدية في أربيل، غير أن الحقيقة شيء آخر، وهم يريدون إظهار أن أمنهم واستقرارهم أفضل من بغداد أمام دول العالم”.

يشار إلى أن اللاجئ العراقي في السويد، سلوان موميكا، أقدم العام الماضي، على حرق نسخة من القرآن الكريم، ما أشعل موجة غضب بين المسلمين حول العالم، وعلى إثره خرجت تظاهرات في العاصمة بغداد، وتطورت إلى محاولة اقتحام السفارة السويدية وإحراقها، فيما قررت الحكومة العراقية طرد السفيرة السويدية من بغداد. 

ويستطرد قائلا:” اضطررت للبقاء في السجن الذي كان يضم خليطا من السراق والمجرمين وعناصر تنظيم داعش ممن كانوا يرون القادم من السويد كافرا لعدة شهور، وتعرضت هناك لأشكال مختلفة من التعذيب وشتى أنواع الإهانة”، موضحا أن “هناك من كان يتهمني بالتجسس لصالح السويد، وهناك من يتهمني بالتجسس لصالح إيران”.

ويردف “لكني بعد أن رأيت ما رأيت في السجن، قررت الإضراب عن الطعام، مما تسبب لي بحالة إغماء، الأمر الذي دفع وزارة الداخلية في الإقليم للشعور بالخطر على حياتي وقررت إرسالي إلى بغداد، بعد أن أمضيت 11 شهرا هناك”.

خادمي في المستشفى ببغداد

يشار إلى أن العديد من السفارات والقنصليات تزاول عملها في أربيل بعيدا عن بغداد، بسبب الوضع الأمني والتظاهرات، وخاصة بعد تظاهرات تشرين الأول أكتوبر 2019، وما تلاها من أحداث مربكة، دفعت العديد من السفارات لغلق أبوابها والاقتصار على قنصلياتها في أربيل. 

ويسترسل بالقول “وصلت إلى بغداد، بتاريخ 25 آذار مارس الماضي، حيث وضعوني في زنزانة هي أقرب ما تكون لقفص للحيوانات منها إلى السجن، فهي بمساحة 35 مترا، وتضم 60 نزيلا، وخالية من الخدمات، والماء لا يأتي إلا مرة واحدة في اليوم، وهي بحد ذاتها كانت بمثابة تعذيب بالنسبة لي، لاسيما وأني كنت أعاني من أمراض القلب وارتفاع الدهون في الدم، ولا يوجد أي علاج لأمثالي هناك”.

لقطة أخرى لخادمي في مستشفى ببغداد

أخيرا.. اللقاء بقاضي الإنتربول 

ويتابع: “بعد أربعة أيام قابلت القاضي المنتدب من الإنتربول، وأبلغته بأن اعتقالي تعسفي وليس قانونيا، ويجب الإفراج عني وإلا سأضرب عن الطعام، إلا أنه لم يأخد تهديداتي على محمل الجد”.

وينوه بالقول إلى أنه “تم تهديدي داخل السجن في بغداد من قبل شخص يحمل الجنسية السويدية ومرتبط بمافيا للمخدرات، تم وضعه في نفس الزنزانة بتهمة قتل شخص سويدي آخر في بغداد، حيث كانت تهديداته واضحة لي بأنه سيتم قتلي إذا لم أعد لإيران، وحتى في حال عودتي للسويد ستقوم أفراد العصابة هناك بملاحقتي، ولا أعرف حتى الآن ارتباطاته ومن الذي أرسله”.

ويتابع: “هذا الأمر دعاني لتنفيذ تهديداتي بالإضراب عن الطعام لمدة 25 يوما، حيث تعرضت بعدها لجلطة قلبية، تم نقلي على إثرها الى المستشفى، وعندما رأى القاضي ما حصل لي، شعر بالخطر، بسبب اعتقالي غير القانوني، حيث مر شهران دون رد من الجانب الإيراني الذي يطالب بتسلمي، وهذا بحد ذاته سبب قانوني كاف لإطلاق سراحي وإعادتي إلى السويد”.

كتاب صادر من السفارة السويدية ببغداد يؤكد صحة لجوئه

ويوضح أن “الجانب الإيراني يرفض الرد على مخاطبات الإنتربول العراقي بشأني، لأنه يعلم بأن أي رد سيمكّن الإنتربول من إعادتي للسويد، لكوني لاجئا سياسيا، والمواثيق والقوانين الدولية التي وقعت عليها الدولة العراقية تمنع تسليمي بأي حال من الأحوال”.

ويردف أن “القاضي وبعد أن شاهد تدهور حالتي الصحية، أمر بإطلاق سراحي بكفالة، ولكني خرجت وأنا لا أعرف أين أذهب وأين أسكن وأنا لا أملك مستمسكا أو أموالا”، منوها إلى أن “أحد الغيارى من الناشطين العراقيين تكفل بمسكني ومصرفي، ولولا وجوده ومساعدته الإنسانية لي لكنت في خبر كان، لأنني مهدد بالخطف أو المصير المجهول في أي لحظة، وهذا دليل على وجود ناشطين حقيقيين في العراق على دول العالم دعمهم والوقوف إلى جانبهم”. 

السفارة السويدية

وحول موقف السفارة السويدية في بغداد من قضيته، يوضح “حاولت مرارا أن أبلغها بما يجري، إلا أنها لم تتدخل، ولم تقدم لي أي معونة مالية أو حتى مستمسك رسمي يثبت من أنا، بحجة عدم وجودها في بغداد بعد محاولة حرقها”.

ويكمل “وحتى حين تم اعتقالي في السليمانية ومن ثم نقلي إلى أربيل، كنت أطلع السفارة عبر ممثلها عن التطورات، وحتى بشأن ما دار بيني وبين الوسيط والمبلغ المالي الذي قمت بدفعه (وهو 580 ألف دولار) ولم أنتفع به إطلاقا، ووعدني بالتدقيق ولكن لسوء الحظ كانت هناك عطلة صيفية حيث بقيت بالسجن دون أي متابعة من السفارة السويدية رغم وعود ممثل السفارة بالبحث والتدقيق بعد العطلة”.

ويناشد السفارة والحكومة السويدية “باسم الإنسانية لسماع قصتي ونقل معاناتي التي استمرت لأكثر من عام”.

الجانب القانوني
ويؤيد الخبير القانوني، أحمد العبادي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، ما قاله خادمي حول وضعه القانوني، قائلا “بحسب القانون، فمن المفترض أن يتم إطلاق سراح المتهم، بعد أن يتم تعيين محام له من قبل السفارة السويدية، في ظل تجاهل السلطات الإيرانية له وعدم المطالبة به”.

ويطالب العبادي السلطات العراقية، بـ”مخاطبة السفارة السويدية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لإطلاق سراحه بشكل سريع، وأن يعود إلى السويد باعتباره مواطنا أجنبيا”.

ويلفت إلى أن عدم مخاطبة السويد لاتخاذ اللازم والاحتفاظ بالمعتقل مع عدم وصول الرد الإيراني، لحد الآن، يرجح وقوف عوامل أخرى مخفية خلف هذا الإجراء غير القانوني، مؤكدا أن “مرور شهرين من مخاطبة إيران وعدم ردها، يحتم على السلطات السويدية التحرك لإعادته”.

ناشط حقوقي عراقي 

من جهته، يقول الناشط مهدي مجيد، الذي يستضيف خادمي “عرفت قصة محمد رضا خادمي منذ البداية، ولكني التقيت فيه عندما قدم إلى بغداد في موقف الرصافة المركزي واطلعت على قضيته، وتحدثنا كثيرا في جوانبها، فقررت الوقوف الى جانبه ومساعدته”. 

ويعزو أسباب مساعدته إلى “كونه صحفيا وناشطا، وهو نفس مجال عملي منذ سنوات، كما أن وضعه الصحي سيء للغاية، وهو في غربة، وليس لديه أحد في العراق، وحتى السفارة السويدية غير قادرة على حمايته وتسهيل إجراءات نقله”.

ويشير إلى أن “ما أقوم به هو عمل إنساني واجب، ومحاولة قدر الإمكان لتقديم المساعدة لتدبير حياته لحين انتهاء محكمته أو ترحيله بسلامة”.

أحدث ظهور لخادمي في مخبئه ببغداد

إقرأ أيضا