من المتعارف عليه أن القاعدة القانونية توفر العدل ولا توفر العدالة. عندما تكون الحكومة عادلة سيلتف حولها الشعب، فهو وحده الذي يخلص البلد من الإرهاب.
ولكن هذه الحكومة لن تعدل معنا، ولا النواب، ولا من شاركهم من الأحزاب، لأنهم بالملخص هم من يمثل الإرهاب. إن جهل الغالبية العظمى من شعبنا منعهم من أن يتفهموا أن الحرية والحقوق تنتزع ولا تعطى. إن توفير العدالة داخل المجتمع يعتبر مقياسا حقيقيا لتمدنه وتحضره الفعلي، وهو السبيل الوحيد للارتقاء بقيمة الإنسان وكرامته بشكل يجعل حضوره في الشأن الخاص والعام شرعيا مجتمعيا ومؤسساتيا. إن تثبيت العدل والعدالة في المجتمع يعد السبيل الوحيد لتحويل القيمة الإنسانية إلى جوهر للعمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إلى درجة يصبح ذلك هو القيمة البارزة في كل المناحي المعنوية والمادية لحياة الفرد والجماعة والمجتمع بصفة عامة.
ومن هنا يتضح بأن إصلاح القضاء وتثبيت العدالة في المجتمع ليسا بالأمر الهين، لأنهما مرتبطان بالتطور الثقافي وبارتقاء المنظومة التعليمية والتربوية فيه. عشر سنوات مضت من الاحتجاجات والتظاهرات وحملات التنديد والاستنكار لما قامت به حكومات أعقبت الاحتلال، لم تكن كافية لتنهض ببلد عانى الاضطهاد وتكميم الأفواه ومنع الحريات منذ ما يزيد على نصف قرن. عشر سنوات فقط، لا شيء هي في عمر الثورات. فبعد مائة عام من الثورة الفرنسية الأولى استقرت فرنسا على القوانين الحالية الرائعة التي تعمل بها الآن، وأضحت معها رمزا لمبادئ الحرية والمساواة والعدالة.
لذا صار لزاما علينا الاستمرار في صراعنا مع حكومة المنطقة الخضراء، لأن النهاية ستكون جميلة حتما طالما وجدت فينا تلك الرغبات المتطلعة للحرية في تحقيق أحلامنا وبناء دولة الحقوق والمواطنة. رغباتنا يجب أن لا تقتصر علينا كمثقفين مللنا من طروحاتنا بعد أن سئمنا القراءة لفلسفة المنعمين.
أغلب من شارك في تظاهرات 31 آب 2013 هم من الطبقة المتوسطة وما فوق المتوسطة من الشعب العراقي، كان واضحا عليهم ذلك، ويظهر هذا بكل بساطة من خلال مظهرهم أثناء الاحتجاجات، هم نفسهم الذين عادوا إلى بيوتهم ذات الفراش الناعم والطعام الوافر، هم نفسهم من عاد لينقل لنا صور التظاهرات التي التقطوها بكاميراتهم، تلك الكاميرات التي أجزم أن لا فقير في العراق يعرف كيف تشحن أو تنتزع منها بطاقة الذاكرة. كان على أولئك المتظاهرين الاحتكاك بالمعدمين من الشعب، وإجهاد أنفسهم في التبيين للفقراء المظلومين ضرورة الانتفاض على الظلم والحيف الذي أصابهم، وقتذاك ستكون التظاهرات مليونية بالفعل، ستخيف كل جيوش الأرض إن خرجت صارخة بحقها. لكن إن استمر حالنا على ما هو عليه فلن يحدث التغيير إلا بمعجزة إلهية، وقد انتهى زمن المعجزات.
عليكم أن تعلموا الناس كيف يحترمون أنفسهم بدلا من التنظير على منصات الفيس بوك. إن أرضنا مغتصبة في ثرواتها، وأهلها منهوبون ومظلومون، يقضمها الحاقدون كل يوم، فكيف لنا أن نحررها بدون الفقراء من العراقيين؟ فالفقراء ملح الأرض، وسادتها، وصبرها، وحضارتها وعمقها التاريخي، تتجلى في عيونهم عروق نباتها، وتسقي دموع أحداقهم كالأمطار ترابها، فكيف نخلصها من الدنس بدونهم؟ هم حائرون الآن، يتساءلون، عن كيفية الخلاص مما يعانون؟ فالآن حان دورنا كمثقفين عراقيين بما اكتسبنا من معارف التوضيح للفقراء بماهية العمل الثوري والانتفاض من اجل استعادة كرامة هذا الشعب.
* كاتب عراقي
لا جدوى من التنظير فقط على منصات الفيس بوك
2013-09-10 - دولي