لا يختلف اثنان على أن (اليوتيوب) موقع كبير وضخم يضم فيديوهات عن كل شيء، فما أن تكتب في خانة البحث حرفا أو حرفين حتى تظهر لك الخيارات الكثيرة والمتعددة.. يظهر لك اليوتيوب كل ما في جعبته من مقاطع تحتوي على حروفك التي بحثت عنها وبشأنها.
أحيانا أبقى ساعات متتالية للتصفح في هذا الموقع الغريب والمثير، إذ يحتوي على مقاطع تفوق الخيال وأخرى مسلية جدا. يغريك هذا الموقع حتى أنك وبدون أن تشعر تجد نفسك وقد أنفقت ساعات كثيرة جالسا بدون حراك.
في إحدى جلساتي المطولة على هذا الموقع ظهرت بالصدفة مقاطع لحركات بهلوانية يؤديها بعض الموهوبين الخارقين وأفعال لا تصدقها لو أن أحدا ما حدثك عنها؛ ستعتبره كاذبا. نعم ستعتبره كاذبا، لأن هذه الحركات والأفعال والمواهب لا تحدث إلا في أفلام الخيال العلمي.
هناك من يطير على بالون هوائي، ومَن يرمي الكرة من أعلى الجبل لتستقر في ثقب صغير على الأرض، ومن يقود سيارته بسرعة خارقة ومن ثم ينحرف بنفس السرعة على الجانب الآخر من الطريق. بقيت ساعات طوال وأنا أشاهد هذه المقاطع حتى لاحظت أمرا غريبا؛ فليس هنالك (فريمة) واحدة يظهر فيها عراقي ليقوم باستعراض موهبته الخارقة.
نعم الدهشة والخيال والراحة ومواقف الضحك لا تمت للعراقيين بصلة، العراقيون في اليوتيوب تراهم إما يغنون غناء ريفيا بطريقة مؤلمة (تفطر) القلب، أو (يحششون) بالنكات والمواقف المضحكة ومقالب يقوم بها أصدقاء فيما بينهم، أو بعض (المسودنين) يتحدثون للكاميرا بطريقة (محزنة) و مضحكة جدا.
هنا تيقنت أن لا مكان للعراقيين في خانة المواهب الخارقة التي تستحق أن تذكر عالميا، تذكرت كتاب (المكَاريد) للكاتب والإعلامي محمد غازي الأخرس، تذكرت كيف أن العراقيين انشغلوا بحروب غبية سرقت نصف شبابهم إن لم يكن كله، وحصار أرعن نزع جلودهم من شدة الجوع والحزن، فتراهم بوجوه شاحبة يسيرون مطأطئي الرؤوس إلى الأرض، يتحدثون قليلا ويصمتون كثيرا، وعندما يتطلب منهم الحديث عن العلم وعن آخر تطورات التكنولوجيا، يتحدثون عن أوربا وعن آخر الاختراعات بحزن، وفي النهاية يختم أحدهم الحديث بكلمة (ناس أوادم) ثم يعم الصمت.
لماذا يا ترى لم نصبح كهؤﻻء (ناس أوادم)؟ لماذا لم يمر على هذا الشعب إلا (الحرامية) وفاقدي الضمائر؟ لماذا يتحدث المسنون عن الحروب الماضية التي أكلتهم ويتحدث الشباب عن الحكومة الحالية التي سرقت آمالهم كما فعل السابقون؟
واحدة من (عجايزنا) في (الكيا) ذات يوم قالت من دون أن يوجه إليها سؤال:
ــ ما اتشوف الله ما يرحمنا؟ من طلايبنا غير؟
فعلا يا أماه. (من طلايبنا) إذ ما من قاتل مسعور إلا وزار العراق ليجرب سيفه على رقابنا. نحن حملة إعلامية لـ(كتام الصوت) والفساد الإداري والنهب والسرقة والاختلاس. نحن مددنا ظهورنا جسورا لمن سرقونا.
قبل أيام ظهر أحد المسؤولين على شاشة فضائية وقال موجها كلامه إلى الحكومة تعقيبا على تظاهرات 31 آب:
ـ لماذا لا تلغي الحكومة تقاعد البرلمانيين؟ القضية بسيطة، لأن كل تقاعد البرلمانيين إذا تم حسابه لا يساوي عمولة بسيطة يستلمها موظف بسيط في الدولة من أجل صفقة ما!
يا إلهي.. موظف بسيط في الدولة؟
هل سمعت يا (أمي)؟ فعلا من (طلايبنا) فما من أحد يسرق بلده إلا نحن.
* كاتب ومسرحي عراقي
لا مكان للعراقيين
2013-09-15 - دولي