في موجة الفيضانات الاخيرة التي اجتاحت البلاد (هنا اقصد الفيضانات الطبيعية نتيجة المطر) خرج بعض الاهالي من احياء بغداد الفقيرة في فورة غضب ويأس الى الشوارع المليئة بالمياه الآسنة، في اشبه ما يكون بحركة عصيان مدني، قطعوا فيها بعض الشوارع وعبروا عن غضبهم بشكل عفوي وحقيقي وصرخوا مطالبين الحكومة بحلول لفيضان شوارعهم وبيوتهم الاَيلة للسقوط اصلا.
شعاراتهم كانت عفوية ووليدة الحالة الهستيرية التي كانوا عليها. لكن ما لفت نظري حقا هو اهزوجة شعبية خرجت من احدهم لتختصر المشهد العراقي بالكامل. مشهد الحكومة العراقية ومسؤوليها. تقول الاهزوجة:
\”لا نوري ولا جعفري انريد قائد…….. ري\”
الكلمة التي لا تسمح اعراف النشر هنا بكتابتها، اظنها واضحة ومعروفة. الناس ملت وسئمت من رجال الدين والمتسلقين باسم الدين والذائدين عن حياض الدين والمناضلين في سبيل كلمة لا اله الا الله. الناس ملت وسئمت من افواج الحجاج والمعتمرين من اعضاء الحكومة ومجلس النواب. الناس ملت وسئمت من السرقات والتزوير وترك كل ما له شأن بالخدمات جانبا والالتفات الى الاستعراض والتبجح والتعالي واستغلال المنصب الذي هو اصلا صنعه صوت المواطن الذي دخلت الى بيته القاذورات ومياه المجاري والصرف الصحي. سئمت الناس وملت من مشاهد الرياء والنفاق التي يمارسها المسؤولين وهم يستعرضون امام الكاميرا لغرض الاعلام, بل انهم في فعلهم هذا الذي يطلق عليه العراقيون تندرا بحملة (صورني واني ما ادري) يؤكدون بعدهم عن الواقع وانفصالهم عن ابسط مشكلات المواطن التي اصبحت بفضل اهمالهم وعدم نزاهتم كوارث تتناسل لاجيال قادمة.
بعد ان جربنا افواج \”المتدينين\” والذين يخافون الله واصحاب الايادي \”المتوضئة\” التي لا تسرق على حد تعبير احد قادة \”دولة القانون\”، الذين يصنفون الناس حسب امزجتهم ودوافعهم الطائفية والدينية المقيتة. نريد مسؤولين يصلون في البيت وعندما يذهب الى العمل يؤدي واجبه ولا يصدع رؤوسنا ليل نهار بالتسبيح والحمد وقراءة الادعية ليل نهار، فيما المواطن يغرف من مياه المجاري ويسبح في فضلات الصرف الصحي البعيدة عن المنطقة الخضراء.
ربما التاريخ يعيد نفسه على العراق والعراقيين عندما نتذكر اهزوجة الشاعر العراقي مخاطبا رئيس الوزراء انذاك نوري السعيد قائلا :
تلعب دومبلة وكاغد حكومة شلون مرتاحه
من ملهى لعد ملهى ومن ساحة لعد ساحه
ما تدري الشعب مالوم ساعه وكبّر صياحه
كل يوم وصاوغ نوري بهاي الناس .. دخيلك يالله دخيلك
يا لها من مصادفة، كيف ان الاهزوجة اعلاه متطابقة تماما، وكأن الشاعر العراقي يقف مع الملايين الآن في سورة غضب على حكومة سرقت الملايين وخربت البلاد, يا لها من مفارقة ان اسم رئيس الوزراء ايضا نوري, يا لتعاسة حظنا. لكن لا.. الشعب العراقي سوف يقول كلمته:
\”لا نوري ولا جعفري انريد حاكم…… ري\”.
*كاتب عراقي.