نحن أولاد القريّة كلمن يعرف أخيّه، ولهذا لا يظن هؤلاء \”الإخوة\” أننا غافلون عنهم، أو غير عارفين بقيمتهم الإدارية، أو أننا جاهلون بعدم اكتمال شرعيتهم لإدارة البلاد، لا لأنهم غير كفوئين وحسب، بل لأنهم جاؤوا إلى السلطة بشرعية منقوصة.
من الضروري أن يعرف كل الإخوة والأخوات الذين وصلوا عن طريق الانتخابات الماضية إلى مجلس النواب العراقي، ومن جاء ـ بناء على مجيئهم ـ من أقربائهم وأصدقائهم ومحازبيهم، أن مجيئهم مضر بهذا الوطن – وواقع الحال العراقي يغنيك عن المقال- فالواقع العراقي المزري، قياسا بدول الجوار على الاقل، ينبيك بأن هناك خللا كبيرا في إدارة مفاصل البلاد، في مجال الخدمات، أو بسط الأمن، أو في استيراد البضائع والأدوية والبنزين، حتى الذين شوههم الحصار الاقتصادي ودمر ذائقتهم للحياة، وباتوا يرون الخراب عمارا، يشعرون اليوم أن من في الدولة يتخبط في إدارة البلاد.
يشكو المواطن العراقي من غياب القوانين في بلاده، واستبدالها في أغلب الخصومات والمشاكل بقوانين العشيرة، وقوانين المحسوبيات، وأهم المشتكين هم إخوة لي في الأحزاب والتيارات التي دخلت المحاصصة الإدارية لحكم العراق، يقول لي أحدهم: \”لا يغرنك أن حزبي هو أحد الأحزاب الحاكمة الآن، ولا تؤاخذني بكل ما يفعل كبار المسؤولين في هذا الحزب، وأنا منهم، لأننا بصراحة لا نعرف مصيرنا ولا نملك من أمرنا شيئا\”.
لم أفاجأ بكلام صديقي هذا، وقد سمعت مفاد كلامه من أصدقاء آخرين في تيارات ومنظمات حزبية عراقية أخرى، لأنني أعرف أن هذا الحزب وغيره قد يقرر في اي لحظة طرد هذا \”المسؤول\” أو غيره مهما كان مستواه وتاريخه في الحزب، فيما لا يستطيع بكل ما لديه من إمكانات أن يلجأ للقضاء، أو إلى المؤسسة القانونية، لأن التنظيم الحزبي ـ ببساطة شديدة ـ لا قوانين معروفة ومسجلة له. وما ينطبق على المسؤول الحزبي الذي لا يعرف مصيره مع حزبه، ينطبق على الحزب تماما، إذا لا تعرف الأحزاب العراقية كيف تقاضي فردا من أفرادها لو أنه شوه سمعة الحزب، أو نكث باليمين الحزبي، أو أخل بنظامه الداخلي، أو انشق عنه وأنشأ حزبا آخر ابتزازيا لا تنظيما وطنيا.
إن غياب قانون الأحزاب في العراق، وتجنب البرلمان العراقي دراسته وإقرار فقراته، أمر لا يصب في خدمة الوطن ولا المواطن، بل ولا الأحزاب نفسها التي لا تعدو أن تكون \”كتلا\” لا ينظمها ناظم، ولا يحكم سلوكياتها تجاه بعضها بعضا أي قانون واضح الملامح، لهذا بات من الجوهري إقرار \”قانون الأحزاب الوطنية\”، قانون هدفه الأساس صناعة وعي \”الجماعة\” وتنظيم عمل المجموعات الوطنية في هذا الوطن الآيل للسقوط النهائي.
فهل يدرك قادة الكتل \”السياسية\” في العراق، ممن ينتظرون أن يعينهم المواطن العراقي على الوصول مجددا إلى إدارة هذه البلاد في الانتخابات القادمة، أنهم ما لم يقروا قانون الاحزاب الوطنية، سيديمون الخلافات الجوهرية الحالية، ويديمون انقطاع الكهرباء وسوء الخدمات، ويعينون الارهاب على ضرب أي مكان في هذه البلاد، لأن وطنا بلا قانون أحزاب وطنية، وطن بلا طريق، وبلا هوية، يتخبط في الاجابة عن أبسط أسئلة الامن والاقتصاد والإدارة، والعيش كمواطنين في مملكة الوطن.
لا تتأخروا في إقرار قانون الأحزاب الوطنية، اضمنوا على الاقل ولاء أعضاء حزبكم، من خلال طمأنتهم على مستقبلهم في الحزب، واضمنوا أن حزبكم يعمل لخدمة الوطن لا لمصالح الاقوياء والنافذين في الحزب ولو لأجل غير مسمى. ومثلما استعنتم بخبراء في وضع الدستور العراقي، استعينوا بخبراء مستقلين في مجال قوانين الأحزاب الوطنية لوضع القانون الذي سيضمن وطنية الاتجاهات الحزبية، فوجود قانون للعمل الحزبي الوطني لا يقل أهمية عن وجود دستور دائم للبلاد، بل قد يتقدم عليه في الأهمية لأن العمل الحزبي هو الموجه الأقوى لمسار الدستور وتفسيراته لو كنتم تعلمون.