لا يزال لغز اختفاء مبلغ 3.7 تريليون دينار عراقي، بما يعادل نحو مليارين ونصف المليار دولار، من أموال الأمانات الضريبية في العراق بما يعرف بـ”سرقة القرن”، دون حل، فالمتهم الأول رجل الأعمال نور زهير الذي كان من المقرر محاكمته في آب الماضي، ظهر في العاصمة اللبنانية بيروت مصاباً بحادث سير وصف بالمريب، ثم غادر إلى تركيا.
وعليه، أصدرت محكمة جنايات مكافحة الفساد مذكرة إلقاء قبض بحقه، وطبّقت ذات الإجراء على متهم آخر في القضية هو هيثم الجبوري، النائب السابق المستشار في حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
وفي تطور جديد، أصدر القضاء العراقي، اليوم الاثنين، حكماً غيابياً بالسجن لعدد من المتهمين بسرقة الأمانات الضريبية المشهورة إعلامياً بـ”سرقة القرن” من بينهم المتهم الأول نور زهير، ونائب سابق.
وذكر مصدر مطلع لـ”العالم الجديد”، إن “محكمة جنايات الكرخ لمكافحة الفساد حسمت الدعاوى المتعلقة بسرقة (الأمانات الضريبية)، وأصدرت أحكاماً بالسجن عشر سنوات بحق المتهم نور زهير والسجن 6 سنوات بحق المتهم رائد جوحي، وعدد من الموظفين المشتركين بالجريمة والحبس ثلاث سنوات بحق عضو مجلس النواب السابق هيثم الجبوري””.
وكشف رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون، من أربيل في 4 أيلول سبتمبر الماضي، في مؤتمر صحفي غلب عليه التوتر والصراخ، صدور مذكرة قبض بحقه على خلفية التحقيق في “سرقة القرن”، مؤكدا أن نور زهير، “قام بتزوير 114 صكاً مالياً، وعليه أن يعاقب بـ114 حكماً”، وكشف عن أنه “سرق 720 دونماً في شط العرب” جنوب العراق.
إذ أبدى رئيس النزاهة، غضبه العارم وهو يصرخ بسبب ما وصفه بـ”استضعاف الهيئة اختفاء ملفات من قضية المتهم نور زهير لدى القاضي ضياء جعفر”، مؤكدًا أن “هذه التطورات تشكل تحديًا كبيرًا لجهود مكافحة الفساد واستعادة أموال الدولة المنهوبة”.
وتعرض نور زهير في ليلة الجمعة الماضية 23 آب أغسطس الماضي، إلى حادث سير خطير جدًا في العاصمة اللبنانية بيروت، إلا أن مسؤول بارز في قوى الأمن الداخلي اللبناني أكد أن “المخافر في بيروت والضواحي القريبة لم تُبلغ بأي حادث سير لمواطن عراقي يحمل اسم نور زهير”.
وأضاف أن “قوى الأمن سألت مستشفى سانت تيريز عن سبب عدم التبليغ وأفاد بأن المذكور حضر بالفعل، لكن إصابته طفيفة جدا لم تكن تستوجب إبلاغ الأمن اللبناني، أو منحه تقريرا طبيا عن حادث مروري”.
وبحسب “الشرق الأوسط”، فإن الدفاع المدني والصليب الأحمر في لبنان لم يسجلا حادثا مروريا لشخص عراقي في منطقة الحدث يومي الخميس والجمعة.
يذكر أن الكشف عن سرقة القرن، يعود إلى عهد وزير النفط السابق إحسان عبد الجبار، عام 2022، حيث كشف خلال إعلانه استقالته من منصب وزير المالية وكالة، عن سرقة 2.5 مليار دولار (3.7 ترليون دينار) من أموال الضريبة في مصرف الرافدين الحكومي.
وكان من المقرر ان يمثل نور زهير امام المحكمة في 27 آب أغسطس للمحاكمة في قضية الامانات الضريبية المعروفة إعلاميا “بسرقة القرن”، الا أنه لم يحضر.
وكان المتهم نور زهير، قال، في 17 أغسطس آب الماضي، بمقابلة مع قناة الشرقية ضمن برنامج “المواجهة” وتابعت “العالم الجديد”، “برومو” اللقاء، إن “الأموال التي كانت بحوزته تعود لـ”صكوك ومعاملات مدققة من هيئة النزاهة، وهي ليست أموال دولة”، مشدداً بالقول: “ولا دينار واحد يعود للدولة”.
وأضاف زهير، أن “سرقة الأموال الضريبية يجب أن تسمى كذبة الأموال الضريبية”، لافتاً إلى أن “أحد النواب ممن يهرجون الآن طلب مني منزلاً بمساحة أرض تبلغ 1200 متر وبشرط أن يكون في شارع الاميرات (منطقة المنصور ببغداد)”.
وأكد زهير، أنه في حالة محاكمته فسيكشف كل الأسماء المتورطة في القضية خاصة إذا كانت المحاكمة علنية.
وفي منتصف تموز يوليو الماضي، عدّ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، موضوع سرقة الأمانات الضريبية المعروفة باسم “سرقة القرن”، نقطة سوداء في تاريخ الدولة العراقية، وأشار الى أنها نُفذت بغطاء رسمي، وكشف عن تهريب نصف أموالها الى خارج البلد.
وكان عضو مجلس النواب ياسر الحسيني، كشف في 7 تموز يوليو الماضي، عن رفع جميع القيود عن تحركات المدعو نور زهير، مبيناً أنه يسيطر حالياً على موانئ الجنوب وهو يمثل احجية كبيرة لا يراد لها ان تنكشف.
يشار إلى أن الحكومة العراقية أعلنت في تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي، عن تسوية ملف “سرق القرن” عبر مبدأ الإفراج المشروط مقابل استراداد الأموال المنهوبة وذلك خلال مؤتمر صحافي لرئيس الوزراء محمد السوداني.
وكانت القوات الأمنية اعتقلت المتهم الأبرز بسرقة القرن، نور زهير، في 24 تشرين الأول أكتوبر من 2022، قبيل فراره لخارج العراق بطائرة خاصة من مطار بغداد الدولي، حيث جرى منع الطائرة من الإقلاع بعد صعوده على متنها واعتقاله.
وأثارت القضية سخطا شديدا في العراق الذي شهد في السنوات الماضية احتجاجات واسعة تطالب بوضع حد للفساد، حيث باتت حديث الشارع العراقي والأوساط السياسية وغيرها حتى انتقل صداها إلى خارج العراق لتتناولها وسائل إعلام عربية وغربية.
يشار إلى أنه جرى الإعلان أكثر من مرة عن استعادة أموال مجمدة من بعض الدول الأوروبية، وتراوحت بين 20 – 40 مليون دولار، وهي لا تمثل نسبة عالية من مجموع المبالغ التي تقدر بأكثر من ملياري دولار.
وما زال ملف قضية “سرقة القرن” مفتوحاً لدى القضاء العراقي للتوصل إلى جميع خيوطه، وكذلك سبل استعادة الأموال التي تم تهريبها خارج العراق بحسب ما صرح عدد من النواب والسياسيين.