منذ ان اعلن عن تفاهمات للقوى الكبرى في العالم، وخصوصا الولايات المتحدة الامريكية من جهة وبين ايران من جهة اخرى حول الملف النووي الايراني، وبعض البلدان الخليجية لم يغمض لها جفن ولم يهدأ لها بال، لم يكتف المشار اليهم بإظهار المخاوف حول امنهم القومي وما لهم من مصالح، ربما تلك قضية يمكن تفهما في لعبة السياسة وفنون الممكن فيها، بل الامر تجاوز ذلك بكثير، فردود الافعال وصلت حد التطيّر من حصول صفقة ما! اتفاق ما، وكأن كل بند من بنود ما وقع من اتفاق بين ايران والغرب حتى وان كان مجرد اتفاق مرحلي وقلق وموضوعا تحت الاختبار لمدة ستة اشهر هي بالحقيقة على حساب الامن الاستراتيجي للمحيط العربي في الخليج!
لقد جن جنون بعض القيادات العربية حتى فقدت توازنها، رغم ان البلدان الخليجية تربطها علاقات استراتيجية مع معظم القوى الكبرى وخصوصا مع امريكا وتجاهر بذلك علنا، وهناك اتفاقيات امنية بمليارات الدولارات مع امريكا، فرنسا وبريطانيا، فلماذا يا ترى يتطيّر بعضهم من التقارب الامريكي الايراني؟!
من يتابع ردود الافعال الخليجية حيال ذلك التقارب يشعر بان ذلك التحالف الاستراتيجي القائم اصلا بين امريكا والبلدان الخليجية كان في اهم مرتكزاته موجها ضد ايران! وحينما يكون هناك تقارب امريكي ايراني يفقد التحالف الامريكي الخليجي فاعليته اساسا، ذلك الاستنتاج السلبي يتولد نتيجة ردود الافعال السعودية على الاقل تجاه التطورات الدبلوماسية الاخيرة التي حصلت على الصعيد الاقليمي والدولي.
ان هذه الغضبة غير المبررة تضاف الى الهفوات العديدة التي تكررها بعض البلدان الخليجية على صعيد علاقاتها مع ايران والقوى الكبرى، هذه الهفوات المتكررة جعلت من الموقف الخليجي بشكل خاص والعربي بشكل عام موقفا مرتبكا جدا، ارتباكا يجبر البلدان الخليجية على القاء جميع ما في جعبتها من نقاط قوة مرة واحدة على طاولة المفاوضات، على العكس تماما مما يقوم به المفاوض الايراني البراغماتي جدا المتصلب احيانا والمرن في احيان اخرى.
يكفي مثالا على تلك المقاربة البائسة ان عرب الخليج بما في ذلك العراق ومع كل ما يجمعهم من علاقات استثنائية مع اعضاء مجلس الامن الدولي، ورغم ما مرت به ايران في الفترة السابقة من عزلة دولية وحصار سياسي واقتصادي خانق لم يستطيعوا حتى تغيير تسمية الخليج من \”الخليج الفارسي\” الى \”الخليج العربي\”، كما فعل الشاه محمد رضا بهلوي في لحظة تفوّق ايرانية وضعف عربي، حينما استصدر هذا الاخير عام 1971 توصية من الأمانة العامة للأمم المتحدة تنص على استخدام مصطلح \”الخليج الفارسي\” في الوثائق الرسمية، وحصل على تلك التوصية التي لازالت سارية المفعول حتى هذه اللحظة في الوثائق غير العربية للأمم المتحدة.
ردود الافعال العاطفية افقدت الكثير من الساسة العرب هيبتهم، وحرمتهم من ادارة اللعبة بشكل ناضج مع ما يمتلكونه من اوراق تفاوضية ليست قليلة. ربما بشيء من المرونة والدهاء يمكن للعرب تحقيق مكاسب سياسية اكثر بكثير مما فقدوه نتيجة اصرارهم فقط على استخدام ورقة العنف التي تغذّى بالمال والفتيا.
gamalksn@hotmail.com