لم تدخل عقلي قصة \”حسين حطيحط\”. قالت أخبار الأمس، إنّ \”جيش المهدي\” اعتقل شابا بهذا الاسم – لاحظت إحدى الصحف البغدادية أنه (تبدو عليه علامات التخدير أو الاضطراب العقلي) – في مدينة الصدر \”الثورة\” وحقق معه فاعترف بارتكابه لجريمة زرع عبوة ناسفة في مجلس عزاء في المدينة وأسفر عن سقوط 277 شخصا بين قتيل وجريح..
سأوضح أسباب عدم اقتناعي بهذه القصة بعد قليل، وقبل ذلك أسجل أن التيار الصدري أو الذراع المسلح التابع له \”جيش المهدي\” لم يعلنا بشكل رسمي عن هذا الحدث ولم يتبنياه أو يتبنيا تسجيل الفيديو للتحقيق مع الشخص المعني، غير أن هناك تصريحا أدلى به النائب الصدري حاكم الزاملي لصحيفة يومية بغدادية ورد فيه (إن عناصر من جيش الإمام المهدي استطاعت أن تلقي القبض على أحد المفجرين في مجلس عزاء بمدينة الصدر، ثم اعترف على مجموعة أخرى وتم إلقاء القبض عليهم أيضا.. وأكد الزاملي بأنه كان متابعا منذ لحظة إلقاء القبض على المنفذ الأول للتفجيرات، واتصل بدوره بقائد الفرقة 11 التابعة للجيش العراقي وتم تسليم المنفذين، مشيرا إلى أن التحقيق ما زال جاريا مع الإرهابيين لدى الجهات الحكومية المختصة). فما دلالة عدم الإعلان الرسمي؟ هل هي محاولة لتفادي الظهور بمظهر الدويلة داخل الدولة والدخول بالتالي في مواجهة مع الأجهزة الحكومية بسبب استيلاء عناصرها على صفات ومهمات الحكومة، كما حدث قبل بضع سنوات حين شكل التيار الصدري محاكم شرعية وقوات مسلحة تابعة له أدت في ما بعد إلى مواجهة عسكرية عرفت بصولة الفرسان؟ لنترك هذا التساؤل مفتوحا حتى تستيقظ الجهات الحكومية من نومها العميق فتؤكد ما أعلنه النائب الزاملي أو تنفيه ولنعد إلى قصة حطيحط:
كل ما اعترف به الشاب من الناحية العملية هو أنه دخل إلى مجلس العزاء المكتظ بالحاضرين ومعه عبوة ناسفة يحملها بيده في كيس أو \”علاكة\” بحجة تقديم واجب العزاء ثم وضع العبوة قرب المولدة (هل توضع المولدة داخل سرادق العزاء؟) وانسحب خارجا وبعدها فجر العبوة بجهاز تحكم عن بعد وتخلص من الجهاز برميه في الطريق وكانت بانتظاره سيارتان يقودها شركاؤه. الأسئلة التي تثيرها هذه القصة الركيكة والمهلهلة كثيرة ومنها:
في ظرف كثرت فيه التفجيرات التي استهدفت مجالس العزاء تحديدا حتى أصبحت ظاهرة شبه يومية هل من السهل أن يتسلل شخص مع عبوة يحملها بيده في كيس إلى مجلس عزاء كهذا؟ لنقل أنه مخدر \”مكبسل\” لكن ألم يلحظه أحد من الحاضرين؟ هناك لقطة لهذا الشاب قبل التفجير يظهر فيها وهو يجلس بين آخرين وكأن هذه اللقطة صورت خصيصا لإعطاء مصداقية لهذه القصة.
ثم، لنفترض أنَّ ذلك حدث فعلا، فهل يمكن أن يفجر زارع العبوة عبوته وهو في المكان المستهدف أو قريبا منه بجهاز تحكم بعد اتصال هاتفي بشريكه دون أن يخشى على نفسه من الانفجار؟ ولماذا يا ترى اتصل بشريكه قبل التفجير وقد قام بكل شيء؟
تقول الجريدة التي نقلت تصريح الزاملي (يعرض الشريط تسجيلا آخر يبدو انه تم تصويره من قبل المنفذين، ويكشف التسجيل الانفجار الأول ويعقبه التفجير الثاني، ويظهر صوت \”الحريشاوي\” وآخر من المنفذين حيث يأمره الأخير بأن \”يضغط على زر التفجير\”) فأين نضع هذا \”الشريط الآخر\” وهل عُثر عليه مع حسين حطيحط، ولماذا سجله وصوره هذا الأخير؟ أم أنّ الذين كانوا يراقبونه هم مَن سجل التصوير الآخر وهذا يدينهم لأنه يعني أنهم كانوا على علم بأن كارثة ستقع بعد قليل وهم مشغولون بتصوير من سيقوم بها وليس منع وقوعها لا لشيء إلا لتوثيق الجريمة وإدانة المجرم.
سؤال آخر: هل يمكن لعبوة ناسفة محمولة في كيس باليد أن تحدث تفجيرا هائلا كالذي حدث وأسقط 277 شخصا بين قتيل وجريح حتى لو كانت تلك العبوة من أشد المواد الناسفة قوة كالسي فور؟
لقد قالت الأنباء أن انفجارا مزدوجا قد حدث على التوالي تبعه انفجار ثالث في مجلس العزاء، فلماذا لم يجر الحديث إلا عن تفجير واحد بعبوة حطيحط؟
على الصعيد السياسي والمضموني العام فإنَّ هذه القصة، وبصرف النظر عن صحتها الحدثية من عدمها، تؤكد وبشكل ملموس أن الدولة حين تغيب أو تضعف أو يشرف على دواليبها جهلة ومشبوهون وطائفيون لا يفكرون إلا بمصالحهم الشخصية أو مصالح كتلتهم الناخبة الطائفية فإن جهات وقوى وشخصيات قد لا يتوقعها أحد ستبادر لملء الفراغ أو بعضه، وهذا أمر لن يحمي الناس من الكوارث الطبيعية أو الأمنية الإجرامية، بل قد يزيد الأمور سوءا، فالعصابة الحمائية التي تنبثق في أجواء الفوضى تلد عصابة أخرى تنافسها وتعاديها وسيستمر سفك دماء الناس بغض النظر عن طائفتهم. إن لجوء الناس إلى ابتكار طرق وأجهزة طارئة واستثنائية للدفاع الذاتي بهدف حماية أنفسهم في حالات الكوارث وانهيار الدولة أمر يمكن تفهمه والدفاع عنه أحيانا، ولكنه في حالتنا هذه ليس إلا فوضى وتنافس سياسي مليشياوي تتاجر أطرافه كافة بكل شيء حتى بدماء ضحايا التفجيرات الإجرامية.
والخلاصة هي: إنّ الأمر ليس متعلقا بحطيحط هنا أو هناك يركض خلف خمس ورقات (500 دولار)، بل بعملية سياسية طائفية مخدَّرة ومخدِّرة وفاقدة للوعي مثل حطيحط، وينبغي إنهاؤها بأسرع ما يمكن والتأسيس لعملية سياسية وطنية ديموقراطية تنهي عهد الحطاحيط المتربعين على قمة هرم الفساد والدم!
* كاتب عراقي
لم تدخل عقلي قصة حطيحط!
2013-09-25 - تقاريرنا