مع قرب إطلاق فعاليات بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، سلط مسؤولون ومتخصصون الضوء على أهم معالم العاصمة لجذب السائحين، لكنهم في الوقت ذاته، استعرضوا بشكل واسع المشاكل التي تعاني منها بغداد والتي يستوجب معالجتها بشكل سريع، وأغلبها تتركز حول البنى التحتية والاختناقات المرورية ونقص الفنادق.
وكانت وزارة الخارجية، أعلنت في 10 كانون الأول ديسمبر الماضي، عن اختيار المنظمة العربية للسياحة، مدينة بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، وذلك خلال اجتماع الدورة الـ35 للمجلس الوزاري العربي للسياحة في القاهرة.
ويقول المتحدث باسم وزارة الثقافة والسياحة والآثار، أحمد العلياوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الحديث عن بغداد عاصمة للسياحة العربية، يأخذنا للتطرق لقرار المجلس الوزاري العربي للسياحة في جلسته الأخيرة، فبعد تقييم لعدد من المدن التي طرحت عاصمة للسياحة العربية لعام 2025 وقع الاختيار على بغداد، وهذا الاختيار من بين مجموعة من المدن تتنافس بغداد لتحقق هذا اللقب، وهذا القرار يؤكد تعافي العراق وحضوره من جديد في خريطة السياحة العربية على الأقل، إن لم نقل السياحة العالمية”.
ويضيف العلياوي، أن “بغداد تشهد بنية حضرية متعددة، على مستوى المباني التراثية والمباني الحديثة، وكذلك التوسع والعمران فيها، والذي أصبح متسارع ومتلاحق، مع استقرار أمني مشهود، وجهود تبذلها الحكومة في جميع القطاعات الأمنية”.
ويشير إلى أن “هذا التمثيل السياحي هو مؤشر للتواصل مع بقية الدول وإقامة الجسور المتينة من العلاقات، على المستوى الثقافي والاجتماعي، في السياحة هي أحد أهم الشواهد على الاستقرار الاجتماعي والأمني، وبغداد تاريخها بوجودها المعاصر وعلمائها ومدارسها وأبنيتها التراثية، كذلك منابعها الفكرية للحضارة العربية والإسلامية، وهي أيضا عاصمة للخلافة فيما مضى من الزمن، وهي المدينة التي أنجبت وقدمت الشعر بكل فروعه”.
ويختتم العلياوي، حديثه بـ”وزارة الثقافة والسياحة والآثار، تستعد عبر هيئة السياحة الدوائر المرتبطة في الوزارة جميعها، على المستوى الآثاري والسياحي والثقافي وكذلك الجهات الساندة للتجهيز لفعاليات ستنطلق خلال المدة القريبة”.
وكان مجلس الوزراء، قرر في 17 من كانون الأول ديسمبر الماضي، إطلاق المرحلة الثالثة من مشروع “نبض بغداد”، والذي يتضمن تأهيل شارع الرشيد، والذي يجري بدعم من رابطة المصارف الخاصة العراقية.
ويوجد في شارع الرشيد، العديد من الأبنية التراثية مثل مقهى الزهاوي ومقهى حسن عجمي، ومقهى أم كلثوم، بالإضافة الى جامع الحيدر خانة، كما أن الشارع كان مركزا للتظاهرات خلال العهد الملكي وبداية تأسيس الجمهورية عام 1958.
يذكر أن المرحلتين الأولى والثانية من المشروع، خُصصتا لإعادة تأهيل شارعي المتنبي والسراي، والتي ساهمت بعودة الحياة لمنطقة بغداد القديمة.
من جانبه، يرى نقيب السياحيين في العراق محمد الربيعي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “بعد ما تم اختيارها عاصمة للسياحة، فإن بغداد تنقصها مجموعة من الجوانب لكي يطلق عليها عاصمة للسياحة العربية، ومن هذه الجوانب هي مشاريع فك الاختناقات المرورية، فإنها تؤدي إلى قطع بعض الشوارع نتيجة للعمل، فضلا عن مخلفاتها البيئية، وهذا يعيق من عملية تنقل السائح وحريته، حيث أن السائح يحتاج إلى أن يستثمر كافة وقته في عمليات التنقل بصورة سريعة من منطقة سياحية إلى أخرى، ويستثمر برنامجه ووقته بالشكل الصحيح”.
ويتابع الربيعي، أن “بغداد بحاجة إلى المزيد من البنى التحتية، ومن هذه البنى هي طرق النقل السريعة ووسائل النقل الحديثة، بالإضافة إلى نظام مصرفي إلكتروني متطور ونشر الصرافات الالكترونية في جميع المناطق، وكذلك الاهتمام بالفنادق الحكومية الموجودة الآن التي تمثل واجهة سياحية كبيرة، فهي قديمة تحتاج إلى إعادة تصميم وتأثيث وترميم حتى تكون بالمستوى الحقيقي”.
ويلفت إلى أنه “هناك عدة معالم موجودة في بغداد، وهي متعددة وكثيرة ومتنوعة، وهذه المعالم تنقسم عدة أقسام، منها السياحة الدينية والجوانب الدينية المتعلقة بالنسبة للسائحين الإسلاميين، ومنها منطقة الكاظمية، ومرقد الإمام أبو حنيفة في الاعظمية، ومرقد عبد القادر الكيلاني، بالإضافة إلى مراقد ومقامات سفراء الإمام مهدي، والكثير من الجوامع القديمة التاريخية على كافة اشكالها، هذا بالنسبة للجانب الديني”، مستطردا “بالنسبة للجانب التاريخي والحضاري، فهناك معالم مهمة جدا مثل، الباب الوسطاني والقصر العباسي والمدرسة المستنصرية وكذلك عكر كوف”.
ويكمل حديثه “أما الجانب الأثري، فيتمثل في تل محمد، القريب من منطقة بغداد الجديدة، هذا بالنسبة للجوانب الأثرية، بالإضافة إلى المواقع التراثية والتاريخية، المتمثلة في منطقة بغداد القديمة مثل شارع المتنبي، والقشلة، وشارع الرشيد، والبيوت التراثية القديمة المنتشرة في أرجاء كثيرة من بغداد، وهذه ايضا من المعالم المهمة التي تكون مناطق جذب للسائح، وكذلك الجوانب الطبيعية المتمثلة بالمتنزهات مثل متنزه الزوراء وسط بغداد، والجزيرة السياحية والحدائق المنتشرة على ضفاف نهر دجلة”.
يشار إلى أن المتحدث باسم وزارة الثقافة والسياحة والآثار، أحمد العلياوي، أكد في حديث سابق لـ”العالم الجديد”، أن العراق يحتوي على كل مقومات الجذب السياحي، لكنه مازال يشكو من افتقار البنية السياحية المطلوبة، فقد عانى من العزلة السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية منذ أكثر من 40 عاما.
وخلال العامين الأخيرين، شهد العراق توافد آلاف السائحين الأجانب، وقد نشطت هذه الحركة في العاصمة بغداد ومدينة أور في ذي قار والأهوار، التي باتت مقصد السائحين وصناع المحتوى من مختلف الجنسيات، وذلك بعد زيارة بابا الفاتيكان لزقورة أور، خلال زيارته التاريخية للعراق عام 2021.
إلى ذلك، يبين مدير المركز الثقافي البغدادي طالب عيسى، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “بغداد تستحق أن تكون عاصمة للسياحة لتاريخها العريق والموغل بالقدم، لكن بالمقابل تحتاج إلى عناية كبيرة لاسيما المنطقة القديمة فيها، والتي تشمل العديد من المعالم التاريخية كالمدرسة المستنصرية والقصر العباسي وخان مرجان، وقد تكللت الجهود قبل مدة بتأهيل شارع المتنبي ومحور السراي، وقريبا سينطلق العمل بمحور شارع الرشيد من ساحة الميدان إلى تمثال الرصافي”.
ويشدد عيسى، أنه “يجب على الحكومة ووزارة الثقافة والسياحة والآثار، أن تهتم بتأهيل منطقة عكركوف الأثرية في أبي غريب، وكذلك طاق كسرى في منطقة المدائن، وغيرها من المناطق الأثرية فضلا عن البيوت التراثية المنتشرة في وسط بغداد”.
وكشف تقرير أصدره المركز العراقي الاقتصادي السياسي، في عام 2023، عن مدى تردي القطاع السياحي في العراق، مبينا أن الوضع السياحي بشكل عام والقطاع الفندقي على وجه الخصوص يشهد نسبة إشغال متدنية رغم التحسن النسبي عن العام الماضي والنسب التشغيلية في بعض الفنادق لا توازي أجور ورواتب العاملين فيها، فيما أكد أن الأسباب تعود إلى إهمال الحكومات المتعاقبة وغياب الخطط الفعلية لزيادة نسبة السياح في العراق وفرض شروط شبه تعجيزية تمنع رعايا الكثير من الدول من الحصول على الفيزا وتراجع إشغال الفنادق عامةً وفنادق الخمس نجوم بشكل خاص.
إلى ذلك، يؤكد رئيس ملتقى الساحة العراقي، وليد الزبيدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قرار اختيار بغداد، عاصمة للسياحة العربية، جيد ويعتبر انجاز للحكومة الحالية، لكن بغداد ينقصها كثير من الأمور، منها البنى التحتية، التي هي حافز مهم جدا للسائح، ومن هذه البنى هي المطارات، إذ يجب تطوير مطار بغداد لأنه مطار قديم جدا”.
ويلفت إلى أنه “كما تنقصها الفنادق، حيث يوجد عدد قليل جدا من الفنادق في بغداد، وفي الوقت الحاضر لا تستوعب الأعداد القادمة إلى العراق، فكيف يمكن استقبالها لعدد أكبر من الحالي، وكذلك هناك شيء مهم جدا، وهو إنشاء المنتجعات السياحية، ورغم أن الفترة الماضية بدأ الاستثمار بإنشاء منتجعات سياحية لكنها دون مستوى الطموح”.
ويستطرد أن “هناك خطة أعدت من خلال لجنة الامر الديواني المكلفة من قبل دولة رئيس وزراء، برئاسة المستشار عمر حسن علوي، مستشار دولة رئيس لشؤون السياحة، وذلك بعد فوز بغداد كعاصمة للسياحة العربية، وهذه الخطة كانت محكمة جدا وفيها كل التفاصيل، وكذلك سوف تكون هناك نشاطات فنية وأدبية وكذلك سياحية على مدى سنة كاملة”.
وما تزال المواقع الأثرية في العراق تشكل مركزاً رئيساً لاستقطاب السائحين المحليين والأجانب، إلا أنها تفتقر في الوقت ذاته إلى المقومات الخدمية من المرافق السياحية المحفزة والجاذبة، وواحدة من هذه الأماكن هي مدينة بابل الأثرية التي تشكل رمزية العراق الحضارية والتاريخية أمام العالم.