بجهود شخصية ومبادرة تطوعية لم تقف خلفها أية جهة سياسية أو حكومية، انطلقت حملة “لون معي” في محافظة الديوانية قبل نحو 12 عاما، لتجعل من الخرسانات الكونكريتية وجدران المباني تشرق بوجه آخر تجمله الألوان والرسومات في محاولة لإظهار المدينة بشكل يجذب الأنظار ويبعث البهجة في النفوس، في محافظة جرى تصنيفها على أنها الأفقر في العراق.
ويقول مؤسس فريق حملة “لون معي”، بسام البناء، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “فريقنا تأسس في العام 2012 وانطلق من فكرة اجتمع عليها مجموعة من الشباب الناشطين والصحفيين ومنظمات المجتمع المدني، وبعد اجتماعات عدة للتنسيق لتشمل عمليات صبغ وتنظيف أكثر من 1850 مترا مربعا بدعم مالي عبر التبرعات الذاتية للمشاركين”.
ويضيف “الحملة شملت الكثير من المدارس والمناطق الرئيسية كالتقاطعات المرورية المهمة التي تعاني من الزحامات، حيث تم رسم لوحات تشكيلية جميلة ومخطوطات معبرة عن الإرث الفلكلوري في الديوانية لنشر الوعي بنجاح العمل الجماعي لإظهار شكل المدينة”.
ويشير إلى أن “الحملة عادت بنسختها الثانية في العام 2024 وهذه المرة أصبحت مديرية بلدية الديوانية هي الراعي الأبرز لها من خلال تقديم الدعم بالأصباغ والمعدات، إضافة لمنظمة الواحة الخضراء، والفنانة التشكيلية سحر الجابر، وفريق (أعمل) التطوعي، وبعض الشباب الآخرين ضمن الحملة”.
ويوضح البناء، أن “الهدف الأبرز للحملة في النسختين، هو إشاعة روح العمل الجماعي بلا مقابل بل لهدف إنساني أو مجتمعي ومحبة للمدينة والوطن، ونحن نطمح أن تكون هذه الحملة أشبه بالماراثون السنوي للأعمال التطوعية وتخصيص مواسم معينة لهكذا نشاطات وفقا لحاجة المجتمع”.
ويؤكد “عندما يكون لكل إنسان هدف يترك بصمة في محيطه فأنه سيحقق أهدافا عديدة تخدم الجميع ولن يسمح للآخرين بتخريب هذه النجاحات وتشويه شكل المحافظة مرة أخرى”.
ويلفت إلى أن “الحملة كان من أهدافها أيضا إزالة العبارات التي تخدش الذوق العام على الجدران واستبدالها برسوم جميلة واعية وتثقيفية، حيث بدأت الحملة بمجسر أبي الفضل بصبغ أكثر من 3000 متر مربع لكل جهة من مساند المجسر التي يصل عددها إلى 13 مسندا”.
ويتابع البناء “مرحلة إكمال المجسر باللون البني ستلحقها أعمال تأهيل أعمدة المجسر ورسم لوحات الأشجار الخضراء والرسوم الحضارية التي تعنى بتاريخ محافظة الديوانية بمشاركة رسامين وخطاطين محترفين”.
وينبه إلى أن “تجربة فريق لون معي في الديوانية قد جرى استنساخها في محافظات أخرى من قبل مجموعات شبابية في بغداد وكربلاء ونينوى والبصرة وبابل، وقد حصلت حملتنا على درع تكريمي من وزير الشباب والرياضة في العام 2013 لنجاحها واتخاذها كمثال في عدة محافظات”.
ويختم بالقول، إن “النسخة الثانية المستمرة سوف تستهدف تأهيل جسر المحافظة أيضا الذي سيتم صبغه وتنظيفه، إضافة إلى خمس مدارس سيجري تأهيلها، فضلا عن دار رعاية المسنين، ومعهد الصم والبكم، حيث تعاني هذه المباني من ضعف الدعم المالي ما يجعلها تفتقر للاهتمام بمظهرها”.
وتعد الديوانية من محافظات الفرات الأوسط، ويقدر عدد سكانها بنحو مليون ونصف المليون نسمة وفقا لإحصاءات الحكومية، وهي أفقر المحافظات العراقية بحسب تصريح لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال زيارته للمحافظة في 19 تشرين الثاني نوفمبر 2022، للاطلاع على واقعها الخدمي والمعيشي.
بدوره، تشرح الفنانة التشكيلية سحر الجابر (57 عاما)، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “حملة لو معي أحدثت تغييرا وثقافة للعمل الجماعي نحو إبراز جمالية المكان باختيار لون واحد والخلاص من الرسوم العبثية والكتابات البائسة المشوهة للذوق العام على الجدران، فالهدف هو حث المجتمع على العمل التطوعي الذي يخلق روح المحبة والألفة، ويضيف طابعا جميلا يسر الناظرين عبر المواضيع المختارة كرسومات طبيعية تشجع المواطن على مراعاة البيئة والتمسك بالأشجار والمحافظة عليها وأيضا الإكثار منها”.
وتردف “العمل حاليا يجري تحت مجسر العروبة أو أبي الفضل ووصل إلى مراحل متقدمة من الصبغ، ومن بعدها سيتم التحول إلى جسور أخرى وأسيجة مدرسية”.
وتؤكد أن “المواطنين بعد مشاهدتهم للأعمال أصبحوا يقبلون على التطوع لينضموا إلى الفريق، كما أن أعضاء الحملة يمثلون طيفا واسعا من منظمات المجتمع المدني والإعلاميين والفنانين والمحبين للعمل التطوعي وخدمة المدينة”.
وعن دخولها للفريق، توضح الجابر “انضمامي جاء بطلب من مديرية بلدية الديوانية لأكون من ضمن المنسقية ليتم البدء بالبحث عن المتطوعين في بداية الأمر، إضافة إلى التواصل مع كلية الفنون الجميلة ومعهد الفنون الجميلة ليشاركوا في الحملة”.
وتختم حديثها “بدأت كهاوية للرسم في العام 2016 وتحولت بعدها تدريجيا للاحتراف ولدي حاليا ما يقارب 15 معرضا، 5 معارض منها فردية والأخرى مشتركة في بغداد والديوانية والنجف وكربلاء”.
وتفتقر الديوانية إلى العديد من مشاريع البنى التحتية في مختلف القطاعات، وأصبحت من بين المحافظات الأكثر تضررا جراء التغير المناخي وشح المياه والأمطار بعد أن كانت تضم العديد من الغابات وتصنف كواحدة من أهم المحافظات الزراعية، والأبرز في زراعة محصول الرز بمختلف أصنافه.
من جانبه، يرى مسؤول القصر الثقافي في الديوانية، صادق مرزوق، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “لهذه الحملات التطوعية الأثر الكبير في بلورة مفهوم العمل بروح الفريق الواحد، بالإضافة للأثر الجمالي لحملة لون معي على المدينة، فهي تعطي طابعا عن المعاناة
التي تمر بها الديوانية من الإهمال في الجانب العمراني وضعف الخدمات لتأتي هذه الحملة من أجل الارتقاء بواقع هذه المحافظة الفقيرة بأبسط مقومات العيش”.
ويشدد على أن “هذه الحملة سوف تحفز الكثير من أبناء المحافظة للقيام بحملات مماثلة على المدى القريب، وأنا على مقربة من القائمين على هذه المبادرة، فهم يحملون نوايا نبيلة لتقديم ما يمكن تقديمه لمحافظتهم، بالرغم من ضعف الإمكانيات وقلة الدعم”.
وتضم الديوانية العديد من المواقع والمدن الأثرية والدينية، من أبرزها أطلال مدينة نيبور التي تعتبر المركز الديني والروحي للسومريين والأكديين قبل آلاف السنين، كما أنها كانت آخر محطات الخلافة العباسية قبل أن تنتقل من منطقة الهاشمية إلى بغداد.