الانتخابات على الأبواب، والموت كذلك.
(1)
مع اقتراب الانتخابات بدأت الجثث تظهر في زوايا الشوارع. بدأ الأشخاص الذين يحملون الأسماء الموضوعة على قائمة ثارات التاريخ، يخشون من الموت المتربص بهم، بالرغم من أنهم ليسوا متورّطين إلا بعدمية عيشهم في بلد يحملهم عبء أسمائهم الشائعة.
تراهن أغلب الأحزاب السياسية، السنية منها والشيعية، على هذا الاقتتال. يجزمون ان الدم كفيل بان يلغم صناديق الاقتراع بأصوات المرعوبين سهواً من الآخر. الثأر وحده من يدفع العراقيين إلى إعادة انتخاب أحزاب فشلت في بناء العراق، أو حتّى الحفاظ على ملامحه.
لا شيء جديد، الرهان على الدم والموت والتجييش الطائفي هو سيد الموقف.
العملية الانتخابية لا تبدو سوى لعبة \”لگو\” يتحلّق حول \”رقعتها البالية\” مدمنو رهانات تعودوا الفوز بنسب متفاوتة.
الأحزاب الإسلامية التي ستدخل الانتخابات تبدو مثل اللاعب الذي باع آخر ما يستر جسده وجاء للرهان مع زملائه العراة مثله، إلا أن المشهد تبدّل هذه المرّة. هناك أحزاب مدنيّة تحاول الدخول إلى هذه اللعبة الشائكة المتخمة بالشتائم.
تخيّل شاباً أنيقاً، يحمل بيده سيكارا وكأس ويسكي، ويتحمّس للفوز بالرهان.
المدني يضع كل بيضه في سلة واحدة، ويضع أيضاً بيوض رفاقه في ذات السلة، ما يجعل رصيده صفراً فور دوران النرد على الرقعة الصدئة.
أما الإسلامي، فيظلّ يلعب ببطء، لا يرمي أمواله مرّة واحدة، لديه أموال تكفي لتكملة اللعبة حتى نهايتها، وهو لن يخرج بدون ربح مطلقاً، لن يترك اللعبة ما دامت الحماسة في أشدها، يشتم ويعارك المشتركين في اللعبة، ليثبط عزيمتهم.
يدور النرد دواراً جنونياً. ينتظر الجميع علامَ سيقف. في كل دورة نرد صندوق انتخابي تفرز فيه الأصوات.
يخرج المدني من أول دورة نرد، ربما يحصل على شيء بسيط من الربح، أو لا يحصل.
يكمل الإسلاميون لعبتهم وحدهم. هم يتقنون اللعبة التي فصلوا رقعتها على مقاساتهم ونحتوا نردها وفق أهوائهم، لذا فهم يعلمون مسبقا الرقم الذي سيفصح عنه النرد.
في آخر الأمر، يفوز الإسلاميون، ويوبِّخ المدنيون بعضهم البعض لأنهم وضعوا أموالهم جميعها في رمية واحدة.
في كل انتخابات يبدو المدنيون آخر من يلتحق باللعبة، وهم لا يدخلونها قبل الجائزة الكبرى. ليس النرد من يخونهم، بل لأنهم لم يعوّدوا أنفسهم على مراقبة النرد والرقعة والرامي. لم يعرفوا أين مكامن خسوفات الرقعة، لا يطالبون أبداً بتغيير رامي النرد، ولا قماشته، ولا يتفاوضون مع اللاعبين الآخرين، ولا يكونّون شراكات حقيقية، هم في الأغلب مهزومون، قبل فرش الرقعة، وقبل تجمع المراهنين.
(2)
هكذا هي العملية الانتخابية اليوم. بكل هذا التشاؤم واليأس والدم. ولا جديد فيها مطلقاً.
أعرف جيّداً أن ليس من الصحيح الكتابة بهذا العدم. وأعرف أن هذا ينافي ما تعلمناه من الصحافة. لكن المعطيات لا تشي سوى بالبقاء على الوضع الذي نراوح فيه، أو الى الأسوأ.
ثلاثة أحزاب تتنافس على رئاسة الوزراء، وهذا المنصب سيضمن السيطرة والنفوذ وفرض الارادة على الآخرين، لأن العراق لا يمتلك نظاما مؤسساتيا صحيحا.
والحكومة القادمة لن تكون خارج المحاصصة بطبيعة الحال.
لن تأتي الأحزاب التي ستعود إلى المناصب من أجل العقود والعمولات، بشخصيات \”تكنوقراط\” لتتسلم المناصب. ولن تخرج العراق من نموذج الدولة الريعية الفاشلة. ولن تعالج أزمة الفساد والسكن والبطالة.
الأمور تتفاقم، وهذه الأحزاب لا تحل أزماتنا، بل هي أزمة بذاتها، طالما أنها متمسكة بسياسة هي لا تعرف عنها شيئاً سوى المزيد من الفساد والسرقة والنفوذ.