صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

“ماء آسن للبيع”.. العطش يهدّد 30 ألف عائلة في الشوملي

الأقسى في تاريخ محافظة بابل، بات الجفاف يهدد 30 ألف عائلة في ناحية الشوملي جنوبي المحافظة، بعد جفاف الأنهر بالكامل، حتى حل المياه الجوفية غير مجدٍ، لأنها غير صالحة للاستخدام فيها، بسبب احتوائها على نسب عالية من الكبريت. عائلات ناحية الشوملي، لم يبق خيار أمامها سوى الهجرة، فلم تعد تتحدث عن إنقاذ الزراعة في الناحية، بل باتت أمنيتها الوحيدة هو ماء صالح للشرب والاستخدام، لاسيما أن أموالاً كبيرة تنقفها العائلات لتوفير المياه عن طريق منظومات التحلية، لكن هذه الأخيرة لا…

تهدد شحة المياه 30 ألف عائلة في ناحية الشوملي جنوبي محافظة بابل، بعد جفاف الأنهر فيها بالكامل، حتى بات الاعتماد على المياه الجوفية غير مجدٍ، لأنها غير صالحة للاستخدام، بسبب احتوائها على نسب عالية من الكبريت.

عائلات ناحية الشوملي، لم يبق خيار أمامها سوى الهجرة، فلم تعد تتحدث عن إنقاذ الزراعة في الناحية، بل باتت أمنيتها الوحيدة هو ماء صالح للشرب والاستخدام، لاسيما أن أموالاً كبيرة تنقفها العائلات لتوفير المياه عن طريق منظومات التحلية، لكن هذه الأخيرة لا تفي بالغرض، فكميات المياه المطلوبة كبيرة جدا للاستخدام اليومي، لهم ولمواشيهم.

حسين محمد (30 عاماً)، وهو أحد أبناء الناحية، يسعى لتوفير مياه الاستخدام المنزلي من خلال جمع ما تبقى منها في نهر العتاب، ويبيع بعضها لأهالي المناطق القريبة من النهر، ويؤكد “يبدأ عملي منذ ساعات الفجر الأولى، حيث أجمع المياه عن طريق مضخات أضعها على نهر العتاب ثم أقوم ببيعها عصرا لأساعد قرابة 10 آلاف عائلة بالحصول على المياه”.

ويتابع محمد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مياه النهر أقرب إلى كونها آسنة ولا تصلح حتى للحيوانات، لكن العوائل تضطر لاستخدامها في أعمال المنزل بسبب شح المياه”، مبينا “أتقاضى مبالغ رمزية لا تتجاوز الألفي دينار مقابل الخزان الواحد”.

وتضطر العائلات إلى الوقوف بطوابير طويلة عند الساعة الخامسة عصراً بغية الحصول على خزان بسعة 500 لتر من المياه التي تم تجميعها في بركة محمد، رغم قناعتها بعدم صلاحيتها للاستخدام لكن الجفاف بدفعها لذلك.

وتسجل مناطق جنوب بابل توقف 80 بالمئة من مجمعات تحلية المياه التي تقع على الأنهر الفرعية التي لم تعد تصلها المياه، وما تبقى منها تعمل بنظام المراشنة وفقاً للحصص المائية المحددة لكل منطقة، والتي تقدر بيومين تجهيز مقابل انقطاع يصل لـ20 يوما أو أكثر.

وتعليقا على ما يجري في الناحية، يبين مدير الناحية عادل الخيكاني خلال حديث مقتضب لـ”العالم الجديد”، أن “المناطق السكنية التي تقع في أقصى جنوب الناحية بدأت بالنزوح من مناطقها باتجاه المناطق الأخرى التي تتوفر فيها المياه، حتى باتت بعض مناطق الناحية مهجورة بالكامل”.

جدير بالذكر، أن بغداد، شهدت عقد مؤتمر المياه الثالث في 6 أيار مايو الماضي، بحضور تركيا وإيران، وخلال المؤتمر أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني: اتخذنا الكثير من المعالجات لتقليل آثار ومخاطر شحِّ المياه، وشخّصنا المشكلة المائية مع دول المنبع وأسبابها.. ولقاءاتنا مع المسؤولين بالدول التي نتشارك معها في المياه، تركزت في ضرورة حصولنا على حصتنا الكاملة من المياه، وتكثيف الجهود الفنية لحل الإشكالات دبلوماسيا بعيداً عن لغة التصعيد.

من جهته، يؤكد مدير ماء بابل عقيل طراد خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أزمة شح المياه شملت جميع أقضية ونواحي المحافظة وتسببت بإخراج أكثر من 100 مجمع لتحلية المياه عن الخدمة”.

ويلفت إلى أن “الأزمة تعتبر أشد وطأة في مناطق جنوب بابل، التي تعتبر مناطق بعيدة عن مسار نهر الفرات ولا تصلها المياه إلا بكميات قليلة”، مضيفا أن “مديرية الماء بدأت بالعمل على إطالة ممصات المياه بالنسبة للمجمعات التي تقع على ضفاف نهر الفرات واستخدام غواطس لإيصال المياه الخام إلى المجمعات الأخرى القريبة من النهر”.

ويشير إلى أنه “من غير الممكن استخدام حلول أخرى، كونها تمثل تجاوزا على الحصص المائية بالنسبة للمحافظات الأخرى المتشاطئة مع بابل”.

يذكر أن “العالم الجديد”، كشفت في وقت سابق عن هلاك مزارع التين في ناحية الكفل بمحافظة بابل، نتيجة لشح المياه، حيث فقدت الناحية أغلب مزارع التين، ما عد كارثة كبيرة، لأن شجرة التين بحاجة إلى 10 سنوات حتى تكون مثمرة.

يشار إلى أن العراق فقد 70 بالمئة من حصصه المائية بسبب سياسة دول الجوار، وأن الانخفاض الحاصل بالحصص المائية في بعض المحافظات الجنوبية عائد إلى قلة الإيرادات المائية الواردة إلى سد الموصل على دجلة وسد حديثة على الفرات من تركيا، بحسب بيان سابق لوزارة الموارد المائية أيضا.

من جانبه، يوضح مدير الموارد المائية فالح السعدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك لجنة خاصة في مجلس الوزراء لإدارة ملف المياه ولا يسمح لأي دائرة أو مسؤول حكومي التدخل بعمل هذه اللجنة”.

ويتابع أن “وزارة الموارد المائية تركز بالدرجة الأساس خلال فصل الصيف على توفير مياه الشرب قدر الإمكان من خلال الحصص المخصصة لكل محافظة بعد أن ألغت الخطة الزراعية الصيفية وردمت جميع بحيرات الأسماك المتجاوزة”.

وبرزت خلال السنوات الأخيرة، أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تمّ تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.

وكانت إيران قد غيرت مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة، كما قطعت إيران كافة الأنهر الواصلة لمحافظة ديالى، ما أدى إلى فقدانها الزراعة بشكل شبه تام.

كما أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

إقرأ أيضا