صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ما جدوى إحياء خط نفط «كركوك- بانياس»؟

في ظل التطورات السياسية والاقتصادية المتسارعة في المنطقة، عاد الحديث مؤخرا عن خط أنابيب “كركوك– بانياس” ليتصدر المشهد من جديد، لاسيما بعد  التقارب العراقي – السوري، وإرسال بغداد وفدا رسميا رفيع المستوى إلى دمشق، لدراسة إمكان إعادة تأهيل وتشغيل خط أنابيب النفط بين البلدين.

المتخصصون، قللوا من أهمية تفعيل هذا الخط في الوقت الراهن، لاسيما وأنه مدمر وخارج عن الخدمة منذ زمن طويل، ما يستدعي إنشاء خط جديد بكلفة عالية، فضلا عن اقتصاره على نفط كركوك وصلاح الدين فقط، عكس خط جيهان التركي، المر الذي يفقده جدواه الاقتصادية، على الرغم من تأكيد مسؤول محلي على أن الوضع الأمني تحت السيطرة فيما يخص الجانب العراقي، أي ضمن مسار الخط. 

ويقول الخبير في الشأن النفطي كوفند شيرواني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “فكرة إحياء خط كركوك بانياس تجدد بعد تشكيل الحكومة السورية الجديدة، واستقرار الأوضاع إلى حد كبير، وهذا الأمر كان من الصعب طرحه في الفترة السابقة، بسبب الوضع المتشنج هناك”.

ويضيف شيرواني، أن “الحكومة العراقية تريد إيجاد بدائل تخفف الضغط على ميناء البصرة، لأنها وصلت لطاقتها الاستيعابية القصوى، وإحياء خط كركوك بانياس سيكون مفيدا، لإيصال النفط العراقي إلى الأسوق الأوروبية”، مشيرا إلى أن “الخط خارج عن الخدمة، ولكن يمكن إنشاء خط جديد بالكامل بما في ذلك خطوط الأنابيب ومحطات الضخ، وهنا قد تصل التكلفة إلى 10 مليار دولار، وهذا الخط سينقل نفط صلاح الدين ونينوى”. 

ويتابع أن “الخط افتتح لأول مرة عام 1952 وكان ينقل 300 ألف برميل، ولكن إنتاج كركوك فقط هو 300 ألف برميل، وبالتالي إذا تم إنشاء هذا الخط بنفس الكميات السابقة، فلا يمكن الاستفادة منه، على عكس خط جيهان الذي يتسع إلى مليون برميل يوميا”، مبينا أنه “يمكن الاستفادة من الخطين خط كركوك بانياس، وخط جيهان، وبالتالي ستكون هنالك المزيد من المرونة، وبكل الأحوال فإن إنشاء خط بانياس ستكون له جدوى اقتصادية كبيرة، تفوق فكرة إنشاء خط البصرة_ العقبة”.

ووصل يوم الجمعة الماضية، رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري، برفقة مسؤولين من قوات حرس الحدود وهيئة المنافذ الحدودية ووزارة التجارة، إلى العاصمة السورية دمشق، وبحسب مصدر حكومي أفاد لوكالة الأنباء الرسمية، فإن الشطري التقى بالرئيس السوري أحمد الشرع، وعدد من المسؤولين الحكوميين وبحث التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وتعزيز الترتيبات المتعلقة بتأمين الشريط الحدودي المشترك وتقويتها بالضد من أي خروقات أو تهديدات محتملة، وتوسعة فرص التبادل التجاري ومناقشة إمكانية تأهيل الأنبوب العراقي لنقل النفط عبر الأراضي السورية إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط.

وفي عام 2007، وقعت بغداد اتفاقا مع دمشق لإعادة تشغيل الخط عبر شركة روسية، لكنه أُلغي في 2009 بسبب ارتفاع التكاليف، واليوم، تعود الأنظار مجددا إلى ذات الخط.

والخط عند إنشائه كان بطول 800 كيلومتر بقدرة ضخ تصل إلى 300 ألف برميل نفط يوميا، وقد لعب هذا الخط دورا حيويا في تصدير النفط العراقي وتأمين مصالح الدول الكبرى في المنطقة، في خميسينيات القرن الماضي.

ويعتمد العراق على تصدر النفط، بطاقة تبلغ أكثر من 3 ملايين برميل يوميا، وأغلبها يتم عبر الموانئ العراقية في البصرة، وقد جرى بحث إنشاء خط البصرة – العقية، عبر الأردن لتصدير النفط، لكن المشروع لم ير النور لأسباب كثيرة، منها الكلفة المالية والاعتراضات السياسية.

من جانبه، يؤكد مستشار شؤون الطاقة في مكتب الإعلام بالاتحاد الوطني الكردستاني بهجت أحمد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “خط بانياس لن تكون له أي فوائد اقتصادية، فهو مدمر بالكامل، والأوضاع في سوريا تسير نحو الفوضى والحرب الأهلية، وغير مضمون سلامة هذا الخط من الناحية الأمنية”.

ويستطرد أحمد، أن “مرور النفط عبر هذا الخط سيتم بصعوبة، كونه سينتقل من البصرة عبر خط حديثة_ بيجي، ومن ثم إلى كركوك بانياس، وهذه العملية مكلفة جدا، ولا يمكن في الوقت الحالي تصدير لتر واحد من النفط عبر هذا الخط، لأنه مدمر بالكامل”.

ويشير إلى أن “أغلب تصدير النفط العراقي يكون إلى دول شرق آسيا، والدول الأوروبية لا تشتري إلا كميات قليلة من نفط العراق، وبالتالي لا توجد جدوى من إنشاء خط مكلف ماليا، ويؤثر على موازنة العراق، بدون أرباح”.

ويردف أن “تكلفة إنتاج برميل واحد من النفط العراقي وتصديره عبر ميناء البصرة هو 3 دولار، في حين التصدير عبر خط بانياس، ستصل التكلفة إلى 10 دولار، ولكن من الواضح أن استعادة هذا الخط هو بضغط سياسي من تركيا، التي تريد الاستفادة الاقتصادية الأكبر”.

وكان خط جيهان التركي، الذي يصدر نفط إقليم كردستان إلى تركيا ومنها إلى دول العالم، قد توقف منذ عامين، بناء على دعوى قضائية رفعها العراق ضد تركيا لشرائها النفط من الإقليم دون موافقة الحكومة الاتحادية، وما يزال الخط متوقفا حتى اليوم، وسط جهود لإعادة تفعيله لكن أغلب الاجتماعات انتهت بالفشل، خاصة في ظل امتناع تركيا عن تسديد الغرامة التي فرضت عليها للعراق، من قبل محكمة باريس. 

يشار إلى المتحدث الرسمي باسم الحكومة باسم العوادي، صرح العام الماضي، أن العراق يفكر بإحياء خط تصدير النفط الذي يمر بميناء بانياس، إذ يبحث العراق عن منافذ جديدة لتصدير النفط، مؤكدا أن العراق اليوم بات على استعداد لمناقشة أمر إعادة تأهيل خط النفط المار بين كركوك وبانياس مع سوريا.  

إلى ذلك، يؤكد رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة نينوى محمد جاسم الكاكائي، أن “الوضع الأمني على الشريط الحدودي مع سوريا من جهة المحافظة مستقر جدا”.

ويلفت الكاكائي، إلى خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “إعادة خط بانياس الذي يمر عبر محافظة نينوى هو شأن عائد للحكومة الاتحادية، وهي من تقدر الوضع، ولكن من الناحية الأمنية، فالمحافظة مستقرة، والجهود الأمنية في الداخل العراقي على الشريط الحدودي مؤمنة، لعمل أي شركات اقتصادية، أو جهة استثمارية”.

ويبين أنه “لكن من الجانب السوري، فهذا يعود لتنسيق الحكومة العراقية مع الحكومة السورية، أو قيادة قوات “قسد” التي تتواجد في الجهة المقابلة التي سيمر بها الخط النفطي، وهي من يمكنها ضمان الوضع الأمني”. 

يشار إلى أن الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، أكد في منشور له قبل أيام، على انعدام أية جدوى اقتصادية من إعادة بناء الخط العراقي- السوري والذي يربط بين كركوك وبانياس لأن معظم إنتاج حقول كركوك التي تبلغ نحو 300 ألف برميل يوميا يجري استهلاكها داخليا، مبينا أنه “حتى لو طورت برتش بتروليوم حقول كركوك فإنها لن تضيف سوى 112 ألف برميل إلى الانتاج الحالي مما يعني ارتفاع كبير في كلفة النقل ورسوم المرور”.

إقرأ أيضا