تميم بن حمد امير قطر الجديد وبعد تبوّئه كرسي الامارة قام بتغيير العديد من وجوه الحرس القديم، من ابرزها وزير الخارجية ورئيس الوزراء حمد بن جاسم آل ثاني وشخصيات قطرية اخرى، الى الامس القريب كانت تعد في نطاق الدائرة القريبة جدا لصانع القرار في قطر. التغيير لم يشمل الوجوه القطرية القديمة، بل ايضا شمل وجوها غير قطرية بالاساس، لكن قطر استثمرتها بشكل او باخر ادوات من اجل تمرير مصالحها كما هو الحال مع الداعية يوسف القرضاوي الذي ترك قطر مجبورا وانتقل الى الاقامة في القاهرة. هذه المتغيرات ترافقت بحكم الصدفة او العمد ربما مع متغيرات اقليمية كبيرة خصوصا ما يتعلق بافول نجم الاخوان المسلمين الذين شجعتهم قطر كثيرا ودفعت من اجل وصولهم الى السلطة مليارات الدولارات، مما انعكس سلبا على الامارة التي تود هذه الايام مراجعة سياستها الخارجية ولو مؤقتا.
وسط تلك المتغيرات الملفتة على محيّا قطر لم تظهر حتى الان متغيرات كبيرة على ملامح \”قناة الجزيرة\”، الذراع الاعلامي للسياسة القطرية والذي تضرب به قطر بيد من حديد كل من لا يدور في فلكها، كما تستخدمه احيانا سلاحا لحفظ التوازن الاعلامي مع الاخوة الاشقاء خصوصا تجاه الاعلام السعودي، والكل يتذكر ما دار بين البلدين من نبش الكواليس وفضائح التسليح حول \”صفقة اليمامة\” سيئة الصيت، والصفقات القطرية المثيرة للجدل ايضا، حيث ارتفعت الوتيرة بينهما الى حد نشر الغسيل.. ثم احتوي الموقف فاغلقت الملفات جميعا.
الملاحظ ان قناة الجزيرة حتى الان لم تتغير كثيرا في دعم الاخوان، بل حاولت دعمهم ولو على استحياء في صراعهم مع الجيش المصري قبيل عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، وهذه المواقف خلقت فجوة كبيرة بين المصريين، خصوصا من يقفون في جبهة خصوم مرسي وبين قناة الجزيرة بشكل خاص وقطر بشكل عام، باعتبارها الداعم الاهم للاخوان. لقد كانت قناة الجزيرة اثناء تغطية المظاهرات المصرية التي اسقطت مرسي تحاول تجنب التغطية والتركيز على ما حصل بعيد الثلاثين من حزيران، وعملت خلافا لما عملته في مرحلة اسقاط مبارك حيث كانت متسنفرة تماما من اجل تغطية ودعم التظاهرات. على خجل غطت الحدث المصري وارادت ان تكون متوازنة بعد فوات الاوان، لكنها بدت مكشوفة للاخرين، وهذا ما جعل السلطات المصرية الحالية تقتحم مكاتب القناة في مصر وتغلقها وتوقف بعض الكوادر العاملة فيها. وبعد عزل مرسي واستمرار الاخوان في اعتصامهم المفتوح عادت الجزيرة الى دعم طرف واحد وهو الاخوان بشكل صارخ! حتى تعالت الكثير من الاصوات المسموعة داخل مصر لاتخاذ موقف جماهيري من قناة الجزيرة، ومن يقف وراؤها، لدرجة ان الدكتور محمد السعيد إدريس الباحث بمركز الأهرام للدراسات والبحوث الاستراتيجية وفي مداخلة له عبر احدى القنوات العربية قبل ايام، قال: \”التغطية التي تقوم بها قناة الجزيرة هذه الايام جعلتنا نعيد النظر حتى بما يسمى الثورة السورية، حيث اظهرت الجزيرة جماهير الاخوان وكأنهم يوازون او اكثر من جماهير التحرير وهذا غير صحيح\”.
ان ملامح قطر الجديدة لا تتكشف من خلال استبدال الوجوه فقط، بل بالاضافة الى ذلك تتشكف ايضا من خلال ذراعها الاعلامي قناة الجزيرة، إن كان أمير قطر جادا فيما جاء بخطابه الاول، فمن المتوقع جدا ان تتغير سياسة القناة تجاه الكثير من الملفات الساخنة في المنطقة، وربما تستبدل العديد من وجوهها القديمة، وذلك لان الجزيرة وخصوصا في السنوات الاخيرة اصبحت ذراعا اعلاميا قطريا موجّها بشكل فاضح، في اطار تصفية الحسابات مع هذا الطرف او ذاك، وهذا الموقف تارة يكون بتوجيهات عليا من القيادات القطرية، وتارة اخرى من قبل اطراف خارج قطر، انطلاقا من نفوذها في قناة الجزيرة من خلال بعض الكوادر الاعلامية المهمة في القناة، بضوء اخضر من صاحب القرار في قطر.
العلاقة التاريخية المثيرة للجدل بين امارة قطر وبين الاخوان المسملين خصوصا على الصعيد الاعلامي، السياسي، والمادي تقف على مفترق طرق في المرحلة الحالية، فاما ان تحسم الامارة الصغيرة امرها وتضع اسسا جديدة لتلك العلاقة، وهذا ما ينعكس بالضرورة على طبيعة الاداء الاعلامي لقناة الجزيرة، واما ان يكون ما حصل بين الطرفين مجرد سحابة صيف عابرة وبالتالي يبقى الحال على ما هو عليه حتى وان تغيرت الوجوه.
gamalksn@hotmail.com