وسط حالة الفوضى الاعلامية والفكرية التي نعيشها في العراق بشكل خاص، والمنطقة العربية بشكل عام، فان اكثر ما يهم الكتاب والاعلاميين ربما ليس حجم ردود الافعال الايجابية او حتى السلبية الجادة، بل هو عدم تكرار التجاوزات من قبل الاخرين على ما يشقون ويتعبون من اجله، يسهرون الليالي ويحرمون انفسهم من ملذات الدنيا من اجل انجاز مادة اعلامية ترضي القارئ والمتابع الذكي، لكن المجحف والمؤسف انك تتفاجأ بين ليلة وضحاها بأن ما عانيت وتعبت في سبيل انجازه قد صادره الاخرون دون حياء او خجل، يسرقونك امام عينيك في عز النهار! انهم من اجل تعويض تكاسلهم يقتاتون على ما ينجزه الاخرون.
احدهم يكتب تقريرا الى قناة العربية ويصادر قصة خبرية بكاملها نشرتها في احدى الصحف العراقية، ايضا عاملون في مؤسسات رسمية يقبضون رواتب ومخصصات اكثر مما اقبضه بثلاث او اربع مرات، يتلخص عملهم فقط في استبدال اسماء الكتاب لكثير من القصص الخبرية المنشورة في وسائل الاعلام استبدالها باسمائهم وتقديمها الى الدوائر العليا على انها منجزات معرفية ونشاطات اعلامية من بنيات افكارهم! هناك صحف تصادر موادا بشكل كامل من قبل صحف اخرى، وهلم جرا من الامثلة التي شاهدتها وتابعتها بنفسي فضلا عن مئات الامثلة الاخرى التي لم تفسح الفرصة لمتابعتها.
ان الوسط الصحفي هو المسؤول قبل غيره عن تفشي تلك الظواهر السلبية، نعم ليس ثمة قوانين رادعة في العراق تحد من ذلك، وربما حتى ان وجدت لا تجد من يفعلها، لكن غياب القوانين الكفيلة بالحد من ذلك لا يعني ان تتحول الساحة الاعلامية الى فوضى عارمة، التجاوز على حقوق الاخرين وسرقة جهودهم لا يردعها القانون فقط، بل لابد من ارساء مجموعة من الضوابط المتعلقة بإصول المهنة في الوسط الاعلامي من قبل ذلك الوسط نفسه، هذا الوسط هو القادر اكثر من غيره على ضبط ايقاع هذه الظاهرة السيئة. ان القوانين ضرورة لابد منها في هذا المجال وفي غيره من المجالات، ولكن النشاط الاعلامي والمعرفي وما يحصل فيه من ضرب تحت الحزام اعقد بكثير من تفاصيل الحياة الاخرى وليس من السهولة ضبطه في قوانين. ليس من المعقول ان تتم التغطية على السرقات الصحفية والاعلامية بهذا الشكل المذهل وان تتحول تلك الظواهر السلبية الى شيء طبيعي لا يتحرج كل من يتعاطى معه او يمارسه بشكل او بآخر! كيف يؤتمن اعلام يمارس السرقة بهذا الشكل الفاضح من ممارسة دور سلبي في الساحة العراقية؟! وما الذي يمنع هؤلاء من التغطية على بعض فضائح الحيتان الكبيرة في الدولة العراقية مقابل ما تجود به الجيوب المنتفخة؟!
gamalksn@hotmail.com