يتصاعد الجدل في العراق، حول الاستقرار المالي للبلاد، في ظل تذبذب أسعار النفط عالميا، فيما تبقى جداول موازنة العام الحالي حبيسة رفوف الحكومة، لأسباب يرجعها مراقبون إلى وجود مخاوف حكومية من استغلالها في الدعاية السياسية، مع قرب حلول الانتخابات التشريعية.
وفي هذا الأطار، أكد عضو اللجنة المالية النيابية، حسين مؤنس، اليوم السبت، أن تأخر إرسال جداول الموازنة العامة من قبل الحكومة إلى البرلمان يعود إلى جملة من التحديات الفنية والاقتصادية.
وقال مؤنس في حديث تابعته “العالم الجديد”، إن “عدم وضوح الوجهة الاقتصادية بشكل نهائي، والتعقيدات المرتبطة بسعر برميل النفط والمشاريع الاستثمارية المقترحة والمستمرة، تتطلب مراجعة شاملة تضمن صياغة موازنة واقعية تواكب هذه التحديات”.
وأشار عضو اللجنة المالية إلى أن “عدم إقرار الموازنة حتى الآن يؤثر على المشاريع التنموية والاستثمارية، كونها تمثل الخطة العامة لإدارة الاقتصاد الوطني وتوزيع الموارد”.
وتابع “حينما صوّت البرلمان على موازنة ثلاثية، كان الهدف وضع خطط واضحة لثلاث سنوات، إلا أن الظروف الراهنة تتطلب إعادة تقييم بعض الأطر المعتمدة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة”.
واستبعدت اللجنة المالية، في 27 نيسان أبريل الماضي، إرسال الحكومة جداول موازنة سنة 2025 إلى البرلمان لغرض تمريرها، إذ قال عضو اللجنة جمال كوجر، إن “مجلس النواب لديه إمكانية لتمرير جداول موازنة سنة 2025 في حال وصلت له من قبل الحكومة العراقية، لكن نعتقد ليس هناك جدية بإرسال تلك الجداول”.
وحدد كوجر ثلاثة أسباب تمنع الحكومة العراقية من إرسال الجداول، أولها “عدم وجود السيولة النقدية لتنفيذ المشاريع الجديدة وغيرها، والثاني هو عدم صرف الحكومة التخصيصات المالية لسنة 2023 بشكل كامل وكذلك سنة 2024، وهذا أيضا سببه عدم توفر السيولة، والسبب الأخير هو قرب انتخابات مجلس النواب، فالحكومة لا تريد تمرير الموازنة حتى لا يتم استغلال الأموال بالدعاية الانتخابية، ولهذا لا نتوقع إرسال الجداول، وستقوم الحكومة بصرف الرواتب فقط خلال الأشهر المقبلة”.
وكان الخبير الاقتصادي، همام الشماع، قد أكد في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “جداول الموازنة لن تقدم إلى البرلمان إلا بشكل متأخر، لأن العام 2025 هو عام انتخابات، وهذه الجداول ستظهر حجم الإنفاق الذي تصر الحكومة على عدم إظهاره بسبب الخروق”.
وأضاف أن “الحكومة قد تبرر تأخير الجداول بأنها تدرس إمكانية إعداد موازنة تقشفية بسبب انخفاض أسعار النفط واحتمالات الركود العالمي، لكن ذلك لا يبرر كل هذا التأخير، فالمبرر الرئيسي لعدم تحويلها هو الحرص على عدم إظهار الخروقات في الموازنة”.
وفي منتصف الشهر الماضي، بين عضو اللجنة المالية النيابية، عدي عواد، أسباب تأخير إرسال الموازنة العامة الاتحادية إلى مجلس النواب لإقرارها لغاية الآن، حيث وجد أن من بينها، الوضع السياسي، وقرب إجراء الانتخابات، وعدم وجود إرادة سياسية لإقرار جداول قانون الموازنة، وهذا ما ساهم في تأخيرها، متوقعا أن “لا تكون هناك موازنة لعام 2025 بسبب عدم وجود إرادة حقيقية لدى الحكومة لإرسالها إلى البرلمان”.
يذكر أن المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، أرجع سبب تأخير إرسال جداول موازنة 2025 لمجلس النواب حتى الآن، إلى “تعديلات تخص تكاليف استخراج ونقل نفط إقليم كردستان، مما تطلب إعادة سُبل الاحتساب”.
يذكر أن مجلس النواب، صوت على مشروع قانون التعديل الأول لقانون الموازنة العامة الاتحادية، وذلك بعد تأجيل دام لعدة جلسات وتحذيرات من أزمة مالية جراء ذلك التعديل.
وتضمن المشروع تعديلا للمادة 12 من قانون الموازنة، والتي تشمل فقرتين، الأولى تتعلق بكلف إنتاج ونقل نفط إقليم كردستان بعد تحديد الكلف التخمينية الحقيقية عبر الهيئة الاستشارية”، فيما نصت الفقرة الثانية، على أنه في حال عدم اتفاق الحكومتين الاتحادية والإقليم على كلف الإنتاج والنقل، فإن وزارة النفط تتولى اختيار جهة لتحديد تلك الكلف، وعلى إثر ذلك يتم احتساب كلفة استخراج النفط من الحقول النفطية في الإقليم
يشار إلى أن تعديلات الموازنة الاتحادية، أثارت استياء نواب الوسط والجنوب، حيث وجدوا أنها منحت امتيازات كبيرة لمحافظات إقليم كردستان، ورفعت سعر برميل النفط المخصص للإقليم، وهو ما اعتُبر استنزافا لميزانية الحكومة الاتحادية على حساب بقية المحافظات.
ويبقى ملف النفط والإيرادات، بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، أحد أكثر الملفات تعقيدا، حيث تتقاطع وتختلط فيه الجوانب القانونية والسياسية.