كثيرة هي التكهنات داخل الأوساط السياسية والشعبية في العراق، حول أسباب غياب الموقف الحكومي الرسمي من التحول السياسي في سوريا، بعد إعلان تنصيب أحمد الشرع، رئيساً للمرحلة الانتقالية، خلال الأيام الماضية، على الرغم من أن العراق وسوريا يشتركان في حدود تمتد لنحو 600 كيلومتر، ما يجعل الأمن الحدودي مسألة ذات أولوية قصوى لبغداد، خاصة في ظل التهديدات المستمرة من قبل الجماعات الإرهابية وعمليات التهريب عبر الحدود.
إذ كشف الإطار التنسيقي الحاكم في العراق، اليوم الاثنين، عن سبب عدم تهنئة الحكومة العراقية لأحمد الشرع لتسلمه رئاسة سوريا منذ أيام.
وقال القيادي في الإطار محمود الحياني، في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “العراق لم يقدم التهاني إلى أحمد الشرع، لتسلمه رئاسة سوريا، بسبب وجود ملاحظات وإشكاليات على الشرع نفسه وكذلك بحق أشخاص آخرين ضمن حكومته خصوصاً وأن عليهم قضايا إرهابية داخل العراق، وكانوا مع الإرهاب ضد العراق والعراقيين خلال السنوات الماضية”.
وأضاف، أن “العراق ليس ضد تغيير النظام في سوريا اطلاقاً، وانما لديه ملاحظات على بعض شخوص هذا النظام، وعدم التهنئة لا يعني القطيعة الدبلوماسية ما بين بغداد ودمشق، بل العلاقة مستمرة وهناك تواصل مستمرة خاصة بما يتعلق بالجانب الأمني لتأمين الحدود وإبعاد أي مخاطر إرهابية عن العراق خلال المرحلة المقبلة”.
ولم يتفاعل العراق رسمياً حتى اللحظة مع إعلان الإدارة السورية الجديدة، في 29 كانون الثاني يناير الماضي، تعيين الشرع رئيساً للبلاد في المرحلة الانتقالية، وذلك بعد أقل من شهرين على الإطاحة ببشار الأسد، واتخذت الإدارة سلسلة قرارات واسعة النطاق، تشمل حل كل الفصائل المسلحة، إضافة إلى الجيش والأجهزة الأمنية القائمة في العهد السابق، وإلغاء العمل بالدستور وحلّ مجلس الشعب وحزب البعث الذي حكم البلاد على مدى عقود.
وكان عضو الخارجية النيابية مختار الموسوي أكد، في 1 شباط فبراير الجاري، أن العراق يرى أن موضوع الأمن والاستقرار في سوريا أمر بالغ الأهمية، وأن أي اعتداء على المقدسات الإسلامية يُعتبر خطراً كبيراً”، مشيراً إلى أن “العراق يتأنى في تهنئة الشرع في الوقت الحالي إلا إذا تأكد من توجهات من يقود زمام الأمور في دمشق، خاصة في ما يتعلق بتطبيق ما تم الإعلان عنه بعد السيطرة على دمشق.
يشار إلى أن الدول العربية التي هنأت الشرع بالرئاسة هي كل من السعودية وقطر والأردن والإمارات والبحرين ومصر والكويت وعمان ومجلس القيادة الرئاسي اليمني والسلطة الفلسطينية.
وتشهد الساحة السياسية في العراق حالة من التشابك، مع تنصيب الشرع رئيسا لسوريا، الأمر الذي يضع البلاد أمام منعطف تتداخل فيه التوافقات الداخلية بالحسابات الإقليمية والتحديات الهيكلية، وفي هذا الإطار، تدرس حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إرسال وزير الخارجية فؤاد حسين إلى سوريا، وفقا لما أعلنه الأخير لوسائل إعلام عربية.
وتجنب العراق بشكل عام التعامل بشكل مباشر مع الإدارة السورية الجديدة بإدارة الشرع، كما أن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني أكد من جهته موقف العراق الرسمي بالحرص على وحدة الأراضي السورية والاستعداد لدعم عملية سياسية شاملة في سوريا دون التدخل بشؤونها.
واكتفت بغداد إلى الآن بإيفاد وفد رسمي برئاسة رئيس جهاز الاستخبارات العراقي حميد الشطري في 26 ديسمبر كانون الأول 2024، إلى سوريا، حيث التقى الشرع في قصر الشعب بالعاصمة دمشق، وبحث معه جملة ملفات مشتركة.
وفي أول تعليق أمريكي على تعيين الشرع، قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية “إننا نتابع التطورات الأخيرة في سوريا، وتواصل الولايات المتحدة الدعوة إلى انتقال سياسي شامل في البلاد”، مضيفة أن “من المهم منع سوريا من أن تصبح مصدراً للإرهاب الدولي وحرمان الجهات الأجنبية الخبيثة من فرصة استغلال التحول في سوريا لتحقيق أهدافها الخاصة”.
من جانبها، أكدت الأمم المتحدة، في 30 كانون الثاني يناير الماضي، أنها ليست في موقع للاعتراف بتعيين الشرع رئيسا لسوريا، مشيرة إلى أن تركيزها منصب على المرحلة الانتقالية وضمان مصالح الشعب السوري.
ومع استمرار الغموض في المشهد السوري، يبقى العراق أمام عدة خيارات في كيفية التعامل مع القيادة الجديدة في دمشق، فمن جهة، قد يقرر إعادة فتح سفارته في سوريا لتعزيز الحوار الدبلوماسي وتأمين مصالحه، لكنه قد يتجنب اتخاذ موقف رسمي من الشرع في انتظار وضوح التوجهات السياسية لدمشق.كما أن بغداد قد تسعى إلى تكثيف التنسيق الأمني مع سوريا لمواجهة أي تهديدات مشتركة، خاصة في ملفي الحدود والتنظيمات الإرهابية، بحسب مختصين.