ينشغل المسؤولون في العراق بإتمام الاستعدادات الخاصة بانعقاد القمّة العربية المقررة في بغداد في 17 أيار مايو المقبل، وسط تشديد على أهمية نجاحها لما تمثله من فرصة لتعزيز مكانة العراق، وإبراز دوره في دعم مسيرة العمل العربي المشترك.
وفي هذا الإطار، يعتزم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إجراء زيارة هي الثالثة من نوعها إلى بغداد منذ توليه المنصب في 2017، لبحث عدد من الملفات وسط ترحيب سياسي ورغبة بعقد منتدى الأعمال العراقي الفرنسي في العاصمة.
وذكر المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء في بيان تلقته “العالم الجديد”، إن الأخير “استقبل، اليوم الأربعاء، وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو والوفد المرافق له”.
وأشار السوداني الى “العلاقات المتينة مع فرنسا التي تطوّرت بشكل واضح منذ زيارته إلى باريس قبل نحو سنتين وتوقيع الاتفاق الستراتيجي”، مرحباً بـ”الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العراق، كما أكد على التقارب في وجهات النظر بين العراق وفرنسا في ما يتعلق بالمنطقة”، بحسب البيان
وبيّن رئيس مجلس الوزراء “رغبة العراق بعقد منتدى الأعمال العراقي الفرنسي في العاصمة بغداد”، ومن جانب آخر، شدد على “أهمية الاستقرار في المنطقة وفي سوريا على وجه الخصوص، وضرورة اعتماد مبدأ المواطنة والتعايش السلمي، ومشاركة جميع المكوّنات في حكم البلد”.
من جانبه، نقل بارو، لرئيس الوزراء، “تحيات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأشاد بما قام به السوداني خلال عمر الحكومة التي تحول فيها العراق إلى بلد ناجح وجاذب للعمل الاستثماري، ما يرفع مؤشراته في التصنيفات الآمنة”، كما أكد ضرورة “تنسيق المواقف مع العراق كونه بلداً محورياً، وتعزيز العلاقات معه، ولاسيما في الجانب الاقتصادي، وتشجيع بلاده للشركات الفرنسية للعمل بالعراق”.
كما أشار إلى “التزام حكومته بالتعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب في ضوء الاتفاقيات الثنائية الموقعة الخاصة بالتجهيزات العسكرية”، مؤكداً أن “حكومة بلاده تشاطر العراق في موقفه من التطوّرات في سوريا والمنطقة”.
وكان وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أكد، في وقت سابق من اليوم الأربعاء، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية فؤاد حسين في بغداد، تابعته “العالم الجديد”، أن “مؤتمر بغداد سيُعقد قريباً بحضور الرئيس إيمانويل ماكرون”، مشدداً على “أهمية أن لا ينجر العراق إلى أي حروب في المنطقة”.
وقال الوزير، إن “فرنسا لديها علاقات وثيقة مع العراق وتقف إلى جانبه”، لافتاً إلى أن “العراق يخط صفحة جديدة بتأريخه، ونحن ندعم خياراته السيادية”.
وأضاف أن “عراقاً قوياً يُعد مصدر قوة للمنطقة، وقد عاد إلى دوره الإقليمي ويُعد محركاً في استقرارها”، مؤكداً أن “فرنسا تدعم سيادة العراق وتقف إلى جانب الشعب العراقي بكل مكوناته”.
وأشار إلى أن “الشباب العراقي هو أكبر مصدر ثروة للبلاد”، مشيداً بـ”جهود حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني”، ومؤكداً “أهمية مؤتمر بغداد في دعم أمن واستقرار المنطقة”.
وفي الشأن الإقليمي، شدد الوزير على “ضرورة عدم تفكك سوريا، وأهمية التوصل إلى حل سياسي في غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية”، معلناً دعم بلاده لـ”الخطة العربية لإعادة إعمار القطاع”.
وختم بالتأكيد على “دعم فرنسا لجهود العراق في تحقيق استقرار المنطقة”.
وفي 14 نيسان أبريل الجاري، استقبل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، في قصر الإليزيه بالعاصمة باريس، حيث تم بحث العلاقات بين فرنسا وكل من العراق وإقليم كردستان، وسبل تعزيز التعاون المشترك، فيما يتبادل الطرفان وجهات النظر بشأن جهود مكافحة الإرهاب وآخر التطورات في منطقة الشرق الأوسط.
وكان المحلل السياسي المقيم في واشنطن، نزار حيدر، أكد في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “لدى فرنسا اهتماما كبيرا بالعراق على مستويين، الأول ثنائي، ويشمل مجالات الطاقة والأمن على وجه التحديد، والثاني على مستوى المحيط والإقليم من خلال تبنيها لمشروع مؤتمر بغداد الذي سيعقد بنسخته الثالثة في العاصمة بغداد قريبا”.
وأضاف أنه “على المستوى الأول فإن الاستثمار الفرنسي في العراق يحظى بأهمية بالغة، إذ تجاوزت عقود شركات البترول الفرنسية وتحديداً شركة توتال، أكثر من 30 مليار دولار، وهو استثمار مهم يساهم في حل الكثير من المشاكل الاقتصادية التي تمر بها باريس”.
وعُقدت النسخة الأولى من المؤتمر بالعاصمة العراقية في آب أغسطس 2021، فيما عقدت الثانية بالعاصمة الأردنية عمان في كانون الأول ديسمبر 2022.
وكان السوداني، وقع مطلع 2023، اتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عُدّت الأولى من نوعها بين بغداد وباريس، فهي تتضمن 4 فصول و6 أبواب و50 مادة و64 فقرة، ومن أبرز ما تضمنته: تعزيز التَّعاون لمواجهة مخاطر التَّهديدات الإرهابيّة ومكافحة التَّطرُّف، وتشكيل لجان ثنائية في مجالي الدفاع والأمن ومتابعة تنفيذ الخطط السَّنويّة للتعاون الثنائيّ الدِّفاعيّ، وتعزيز قدرات الدفاع العسكريّة العراقيّة من خلال تنمية المهارات الضروريّة وتسهيل التزوّد بالمُعدات الحربيّة فرنسية الصُّنع وتفعيل تبادل المعلومات والاستخبارات العسكريّة بين الطرفين.
يشار إلى أن فرنسا تسعى إلى أخذ دور في العراق، على الصعيد الأمني والاقتصادي، وذلك تجسد بشكل كبير خلال الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، حيث زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العراق أكثر من مرة، فضلا عن زيارة وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي إلى بغداد.
يذكر أن “العالم الجديد” تناولت سابقا عبر سلسلة تقارير، الدور الفرنسي في العراق وأسبابه، وبحسب محللين سياسيين في العراق وفي أوروبا حينها، فإن فرنسا تعتقد بأن العراق منطلق مهم لأمنها، وأن الأمن بين البلدين مترابط، نظرا لوجود مقاتلين فرنسيين في التنظيمات الإرهابية بالعراق، وفي الوقت ذاته فان فرنسا تبحث عن فرص حقيقية للاستثمار، إلى جانب منافستها للدور التركي، في ظل الخلافات الحادة بين باريس وأنقرة، مؤكدين أن فرنسا تحاول الحصول على موطئ قدم في المنطقة أو بالتحديد المثلث الذي يجمع العراق وسوريا وتركيا.