صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ما الفرق بيننا وبينهم؟

ليس جديدا عندما نؤكد بأن (داعش): تنظيم إجرامي تعكس أفكاره وممارساته أبشع صور التطرف المذهبي، وتسببت ممارساته التي ارتكبها ضد المدنيين ــ  سواء في سوريا أو العراق ـــ بضرر كبير أصاب سمعة الدين الإسلامي والمسلمين ــ ليس من السهل محوها ــ وقد يحتاج المسلمون الى الكثير من العمل المثمر لكي يبددوا هذا الهلع والخوف الذي بات يشعر به العالم تجاه كل ماله علاقة بالاسلام.

 

هذا التنظيم لم يلق ــ كغيره من التنظيمات المذهبية التكفيرية المتطرفة ــ قبولا أو تأييدا من عموم المسلمين السنة، إلاّ في حدود ضيقة جدا ــ وهذا التأييد له ظرفه وأسبابه المرحلية ــ بالقياس الى الجمهور العام للمسلمين، كما لم يحظ بأي تعاطف انساني طالما لا يتردد أفراده في أن يقطفوا رؤوس الأبرياء ويستبحيوا حياتهم وكرامتهم الانسانية. لكن، ما الفرق بيننا وبين الداعشيين فيما لو وقع بين أيدينا واحد من أولئك المجرمين، أو أي شخص مشتبه به؟ سنمارس ضده نفس أساليب (داعش) الطائفية / الهمجية. فما الفرق؟

 

هل يحق لنا ــ طالما نحن لسنا على مذهب (داعش)، أو لا ننتمي له تنظيميا ــ أن نكون طائفيين وقتلة؟ هل يحق لنا ما لا يحق لغيرنا؟ ما الشرع الذي نستند إليه؟ ما القانون؟

 

استبعاد سلطة القانون في حسم الصراعات التي يشهدها المجتمع والاحتكام بدلا عنها إلى سياسة قائمة على ردود أفعال منساقة باتجاه مشاعر وعواطف عامة لن تذهب بالمجتمع إلى حياة طبيعية آمنة بقدر ما ستذهب به إلى دوامة مهلكة من الأحقاد والقتل المتبادل.

 

وإذا ماكنّا نسعى إلى أنْ لا يدفع العراقيون جيلا بعد جيل حياتهم وأرواحهم قربانا للكراهية الطائفية التي عادة ما ينفخ في نارها رجال الدين والأحزاب الإسلاموية وقادة التنظيمات الإرهابية والميليشيات حتى تبقى مستعرة، ينبغي أن ندفع بالقانون لأن يقتص من كل الذين يستهينون بالحياة الانسانية، ولا فرق في هذا بين قاتل محترف وبين منتسب للجهاز الأمني الرسمي، بل إن العقوبة ينبغي أن تكون أشدّ على الثاني أكثر من الأول لأن خطأه ستتحمله الدولة التي ينتسب إليها وظيفيا قبل أن يتحمله هو، وسيلطخ عار جريمته سمعة الدولة قبل سمعته، ولن يمحى هذا العار أبدا من تاريخها إلا إذا احتكمت للقانون وقدمت المجرم المنتسب اليها للمحاكمة.

 

معضلة العراق في أنّ سلطة الدولة هي من الضعف إلى الحد الذي لم تتوانَ من أن تستعين بالميليشيات ذات الهوية الطائفية الشيعية بشكل أكبر بكثير من اعتمادها على الجيش الوطني وبقية قواها الأمنية وهي تخوض معركتها ضد التنظيمات الطائفية السنية الإرهابية مثل (داعش) و(القاعدة).

 

هذا المنهج – الخطأ – أفرغ معركتها من محتواها الوطني، وأسبغ عليها سمة طائفية، ما دفع الجمهور العام المعتدل من الطائفة السنية إلى أن ينأى بنفسه بعيدا عن تأييد الدولة في معركتها هذه.

 

وإذا ما أرادت الدولة معركتها ضد الإرهاب لأن تصبح معركة المجتمع بكل قواه ومكوناته، فينبغي أن يكون الجيش هو القوة الوحيدة التي يتم الاعتماد عليها.

 

في هذه اللحظة بقدر ما يبدو الدين الإسلامي في ظاهر المشهد العام منتصراً برايات (داعش)، كما يعتقد الجمهور العام للمسلمين عندما يبدو لهم وقد استملك الواقع والعقول، فان الحقائق على الأرض تؤكد خسارته الكثير من المؤيدين والمتعاطفين معه ــ إضافة إلى المؤمنين العقلاء المعتدلين ــ بشكل لم يخسره منذ ظهوره قبل اكثر من ١٤٠٠ عام.

 

فما أظهرته التنظيمات الإسلامية المتطرفة من وحشية وعنف ودناءة قد عجَّل في أن يتحول عديد من المسلمين إلى قائمة اللادينيين والملحدين، وبذلك يكون الإسلام هو الخاسر في هذه المعركة، طالما قد تخلى عنه العقلاء، واصطف الحمقى والأغبياء والجهلة إلى جانب من يتاجر به.

 

والفكر الداعشي باعتباره أقصى درجات التطرف الديني، لم يقتصر حضوره في البيئة السنية فقط، فهو موجود أيضا بهذا المحتوى ــ وإن بشكل آخر ــ في البيئة الشيعية، حتى لو كان لا يحمل نفس الاسم، رغم محاولات بعض المتفيقهين أن يسبغ عليه بعدا أخلاقيا!

 

بعد المحن التي مرت ــ وما زالت تمر ــ علينا قد نصل الى نتيجة مُرّة مفادها: أننا شعب ما زلنا في مرحلة المراهقة، ولم نصل بعد إلى مرحلة من النضج بما يكفي لكي ندرك ما نحن عليه من بؤس، وما ينبغي أن نتخذه من ممارسات وأفعال تعبيرا عن حضورنا ووجودنا.

 

وإذا ما أردنا الخروج من هذا الحضيض الطائفي فينبغي الوصول بأسئلتنا الى مرحلة لا يكون فيها للخوف سلطة على وعينا في اللحظة التي نتصدى فيها لثقافتنا بكل روافدها الأصولية.

 

فإلى متى سنبقى نحرص على أن نستدعي أسماءً من الماضي (علي وعمر والحسين وعثمان، الخ…) فنقسم بها، وبعدالتها، وحكمتها، في نفس اللحظة التي يكون فيها سلوكنا ضد أعدائنا أبشع وأقسى من سلوك أعدائنا؟

 

ما الفرق بين ذاك القاتل التاريخي وبيننا؟ ما الفرق بين يزيد والشِمر وبيننا؟ ما الفرق بين قسوته ودناءته وقسوتنا؟ ما الفرق بين شدّة ظُلمهِ وبشاعة ظُلمنا؟ متى نصحو على ازدواجيتنا؟ متى نتبرأ من الظلم فكراً ومنهجاً وسلوكاً؟ متى نتوقف عن ممارسته ضد أنفسنا قبل أعدائنا؟

وبعد..

ألسنا داعشيين أيضا؟!

 

* مروان ياسين الدليمي: كاتب عراقي

إقرأ أيضا