صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ما تحتاجه فعلا قوات البيشمركة الكردية في العراق

لم يكن أكراد العراق قبل الأول من آب/أغسطس قد شعروا بكامل وطأة اعتداءات \”الدولة الإسلامية في العراق والشام\” (\”داعش\”، التي تطلق على نفسها الآن اسم \”الدولة الإسلامية\”). ولكن بعد توجيه التنظيم سلسلة من الضربات القوية ضد وحدات البيشمركة الكردية بين الموصل والحدود السورية، باتت قوات \”حكومة إقليم كردستان\” منخرطة بشكل كامل.

 

وفي 5 آب/أغسطس، صرح رئيس \”إقليم كردستان\” مسعود بارزاني قائلاً \”[قررنا الخروج من مرحلة الدفاع]، ومحاربة الإرهابيين إلى آخر نفس، [أصدرنا الأوامر لقوات البيشمركة والجهات المعنية الأخرى] بمهاجمة المتطرفين [وأعداء الكرد وكردستان بكل ما أوتوا من قوة]\”.

 

وبالتأكيد يجدر بالولايات المتحدة أن تدعم حلفاءها التاريخيين – أي أكراد العراق – في هذه المعركة. ولكن وسط صخب الأصوات المطالبة بتدخل واشنطن لتسليح البيشمركة، من الضروري استقاء بعض الدروس من القتال الأخير لإلقاء الضوء على الحاجات الأكثر إلحاحاً للجيش الكردي. 

 

الأداء العسكري الكردي

بين الأول والثالث من آب/أغسطس أطلقت \”داعش\” هجوماً مرحلياً غرب محافظة نينوى في المثلث الذي يضم منطقة سد الموصل ومعبر الرابية على الحدود السورية وقضاء سنجار، وهو نتوء خاضع للسيطرة الكردية وسكانه بالدرجة الكبرى من الأقلية الأيزيدية في العراق. ودفعت هذه الاعتداءات عدداً من قوات البيشمركة إلى الانسحاب إلى منطقة \”إقليم كردستان\” أو حتى إلى كردستان السورية من أجل الفرار من وجه \”داعش\”. وفي الوقت نفسه، تتخبط القوات الكردية في معركة استنزاف متأرجحة ضد \”داعش\” في بلدتَي جلولاء والسعدية، عند الناحية الشرقية من \”إقليم كردستان\” داخل محافظة ديالى.

 

وفي محاولة لتفسير انتكاسات البيشمركة في هذه المعارك، ركّزت وسائل الإعلام الكردية في الحاجة إلى مزيد من الأسلحة وأكثرها حداثة. وكان أحد المواضيع الرئيسة الأخرى التي تناولتها هو النقص في الذخيرة – وهذه ذريعة تقليدية تستعملها جيوش الشرق الأوسط لحفظ ماء الوجه، انطلاقاً من المبدأ القائل إنه حتى أبسل الجيوش تضطر للتراجع إذا ما افتقرت إلى الوسائل اللازمة للقتال.

 

وفي حين قد تكون هذه التبريرات صحيحة جزئياً، تسلط المعارك في نينوى وديالى الضوء على عدد من نقاط الضعف الأخرى التي تعاني منها البيشمركة والتي يمكن وينبغي الحد منها عبر التعاون الأمني الأمريكي. وتشمل نقاط الضعف هذه ما يلي:

 

• سوء تنظيم واستعداد القوات: لعل السبب الأول لسقوط غرب نينوى بيد \”داعش\” هو أن جهوزية القوات الكردية صعّبت الدفاع عن تلك المنطقة. فمناطق سنجار والرابية تضم بقعة أرض واسعة عند الحدود السورية تتوغل عميقاً داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة \”داعش\”. ويتطلب تحصين هذه المناطق بالشكل المناسب عدداً كبيراً من القوات، مع ذلك كان فصيلان صغيران فقط من البيشمركة متمركزين هناك في الأول من آب/أغسطس. وعلى النحو ذاته، تمكن تنظيم \”داعش\” من إقامة مراكز أمامية متقدمة له عند ضفّتي نهر دجلة باقترابه من سد الموصل وفي المناطق المسيحية الواقعة شرقي الموصل، وذلك بسبب قلة قوات البيشمركة في تلك المناطق. ولا يعود ذلك إلى عدم امتلاك \”حكومة إقليم كردستان\” للقوات الكافية – بل إلى الإفراط في حشد وحدات البيشمركة حول كركوك حيث يتنافس الحزبان الكرديان الرئيسان، \”الحزب الديمقراطي الكردستاني\” و\”الاتحاد الوطني الكردستاني\”، على السلطة.

 

• المشاحنات والمنافسات الداخلية بين الأكراد: كان من شأن زلات البيشمركة في نينوى وديالى أن جرحت الكبرياء العسكري للأكراد، ما أدى إلى تبادل الاتهامات بين مناصري \”الحزب الديمقراطي الكردستاني\” و\”الاتحاد الوطني الكردستاني\”. والأسوأ من ذلك هو أن هذه الانتكاسات نتجت جزئياً على ما يبدو عن سوء التنسيق بين وحدات \”الحزب الديمقراطي الكردستاني\” و\”الاتحاد الوطني الكردستاني\” حتى حين كانت هذه الوحدات مجموعةً سوياً تحت راية \”كتائب الحرس الإقليمي\”، الموحدة ظاهرياً. وحيثما فشلت هذه الوحدات، اقتضى الحل في غالب الأحيان استدعاء وحدات البيشمركة الأقل احترافاً ولكن الأكثر موثوقية والتي لا تزال تحت سيطرة الأحزاب.

 

• نفور العشائر السنية: يضم كل من غرب نينوى وديالى شبكات متينة من العشائر السنية العربية، لاسيما في الرابية حيث مقر اتحاد عشيرة شمر. وللأسف، تربط بين الجيش الكردي وعشائر تلك المناطق علاقات سيئة، وهذا يعني أنه لا يمكن لوحدات البيشمركة أن تتوقع إلا القليل من الدعم الاستخباراتي أو المساعدات من هذه المجتمعات السنية العربية أو قد لا تتوقع أي شيء. ومع أن إرساء علاقة أفضل بين الطرفين ليس بالمهمة السهلة نظراً إلى التاريخ المر من التنازع على الأراضي بين العرب والأكراد، قد تصبح هذه المساعي حيوية إذا كانت \”حكومة إقليم كردستان\” تعتزم تحصين هذه المناطق على المدى البعيد.

 

• المفاجأة التكتيكية: ليست القوات الكردية أقل عرضة من الجيش العراقي إلى الذعر الذي تسببه الهجمات المفاجئة، على غرار زحف \”داعش\” في الموصل خلال حزيران/يونيو وهجومها الأخير على سنجار.

 

• قلة الخبرة: على الرغم من أن قوات البيشمركة خضعت لتدريب مكثف، لاسيما عناصر \”كتائب الحرس الإقليمي\”، لا تزال عدة وحدات كردية تفتقر إلى الخبرة. وفي حين حارب قادتها الأكبر سنّاً جيش صدام في حرب العصابات، إلا أن هذه الخبرات لا تهيّئهم بالضرورة لحرب الميليشيات القائمة على الآليات العسكرية أو لمحاربة التمرد – فالصياد لا يعرف تلقائياً كيف يلعب دور الحارس. ولا يملك أي ضابط بين كبار الضباط والمخططين في البيشمركة الخبرة في نهج الحرب الهجومية الحديثة التي تجمع بين مختلف أنواع الأسلحة، في حين أن الأفراد العاديين هم عادة أصغر سنّاً ويفتقرون إلى الخبرة القتالية وكذلك إلى عنصر جوهري هو المهارات اللغوية العربية اللازمة للتفاعل بطريقة مثمرة مع المجتمعات العربية السنية.

 

• المعدات واللوجستيات: تملك البيشمركة مخازن كبيرة من الأسلحة الثقيلة، بما فيها الدبابات والمدفعيات الصاروخية ومدافع هاوتزر، ما يبطل صحة أي مزاعم بأن تنظيم \”داعش\” يستطيع التفوق عليهم بعدد أسلحته. ولكنها قد تفتقر إلى كمية الذخيرة اللازمة للحفاظ على وابل القصف المدفعي طيلة فترة العمليات الهجومية، وإلى قطع الغيار ومؤهلات الصيانة اللازمة لإبقاء أساطيل الآليات المدرعة صالحة للاستعمال. بمعنًى آخر، تواجه البيشمركة عجزاً لوجستياً لكنه ليس على مستوى المعدات.

 

المساندة العملية من الولايات المتحدة

سبق للولايات المتحدة أن حاربت إلى جانب البيشمركة في الماضي، وهي قادرة على مدّها بمساعدة قوية مرة أخرى. وقد تكون شحنات الأسلحة جزءاً من هذا المسعى؛ وفي الواقع، أن الطريقة الأبسط لضمان الدعم اللوجستي والإعانة من الولايات المتحدة هي أن تتلقى البيشمركة الأسلحة والآليات الأمريكية وتستخدمها. وعلى وجه الخصوص، هناك حاجة ماسة لمعدات مثل الصواريخ الخفيفة المضادة للدبابات وأجهزة اللاسلكي ومعدات الرؤية الليلية والدروع الواقية. ولكن بوسع واشنطن أن تساعد بطرقٍ أخرى أيضاً، وبشكل فوري في بعض الحالات:

 

• الدعم العملياتي والاستخباراتي: على الرغم من أن \”داعش\” تنتهج مستوى جيد من الأمن العملياتي، ستساعد الأصول الاستخباراتية الأمريكية بلا شك في الحد من قدرة التنظيم على تنفيذ المباغتات التكتيكية ضد البيشمركة. وبوسع واشنطن أيضاً أن تقدم المشورة الموضوعية التي قد تسهم في التغلب على بعض التوتر الداخلي بين الأكراد حول نشر القوات ودمجها.

 

• القوة الجوية: تستطيع الولايات المتحدة أن تجمع بين قوات البيشمركة البرية والقوة الجوية العراقية والأمريكية. فخلال اجتياح الولايات المتحدة للعراق عام 2003، كانت القوة المشتركة بين جنود البيشمركة والضربات الجوية الأمريكية كاسحة. ومن أبرز مجالات التنسيق الأمريكي إقامة وصيانة \”خط تنسيق الدعم الناري\” الذي يحدد شبكات الخرائط التي يمكن فيها للقوات الجوية العراقية أن تقصف في أي وقت كان. إلا أن الجيش الأمريكي هو وحده الذي يملك الخبرة وقدرات المراقبة والصلات ببغداد وأربيل اللازمة للحفاظ على نظامٍ قادر على تقليص حوادث النيران الصديقة إلى حده الأقصى. وإذا توفرت مروحيات الأباتشي وطائرات أف 16 العراقية، وعند توفرها، تستطيع بغداد أن ترسل إشارة ترحيب إلى أربيل عبر جعل مهمتها الأولى دعم القوات الكردية – وليس تشكيل خطر عليها.

 

• اللوجستيات: تتمتع الولايات المتحدة في وضع جيد يخولها تسليم كميات من الذخائر التي تعود إلى \”الكتلة الشرقية\” وقطع الغيار التي يحتاجها الأكراد لإبقاء أسلحتهم الثقيلة من الحقبة السوفياتية صالحة للاستعمال. فتوفير هذه الإمدادات عبر الولايات المتحدة عوضاً عن أطراف ثالثة أقل دقّة قد يطمئن بغداد، الأمر الذي يمكن أن يسهل بدوره صعوبة الحصول على شهادات المستخدم النهائي للأسلحة المسلّمة إلى \”حكومة إقليم كردستان\”.

 

• الدمج الطويل الأجل لـ\”كتائب الحرس الإقليمي\” ضمن وزارة البيشمركة: لطالما دعمت الولايات المتحدة الجهود التي تُبذل لإضفاء صفة محترفة للقوات الكردية تحت راية وزارة موحدة لـ\”حكومة إقليم كردستان\”. ومن شأن المشاركة والتدريب الأمريكيين أن يساعدا في الحد من خطر تجزئة البيشمركة في المستقبل بين الأحزاب – وهي حصيلة ستزعزع الاستقرار بشكل كبير في \”حكومة إقليم كردستان\”. ويجب كذلك على الجيش الأمريكي أن يوفر بصورة مشتركة التدريب على الأسلحة والمشورة حرصاً على استخدام المدرعات والمشاة والمدفعيات والأصول الجوية بفعالية.

 

على الرغم من أن قوات البيشمركة تلقت بعض الضربات العنيفة في الأسابيع القليلة الماضية، فإنها تقوم بالفعل بهجومها المضاد – والحق يقال، بشكل أسرع من الجيش العراقي المدرب على يد الولايات المتحدة. ولا يزال الجيش الكردي هو الحليف الأمثل ضد \”داعش\”: فهو يملك التحفيز العالي، والتجهيز الجيد، والموقع المثالي للهجوم على \”داعش\” على جبهة واسعة. لقد آن الأوان لبدء الضربات الجوية الأمريكية دعماً للبيشمركة ولتكثيف التعاون الأمني الأمريكي الشامل. ولابد لهذا الجهد الأخير أن يكون مصمماً بشكل يخوله الاستمرار حتى بعد انتهاء المعركة الحالية ضد \”داعش\”، وأن يشتمل على أكثر من مجرد تقديم الأسلحة الأمريكية.

 

* مايكل نايتس: زميل ليفر في معهد واشنطن ومقره بوسطن

إقرأ أيضا