شهدت فترة التوترات الأمريكية- الإيرانية في الفترة الماضية، غيابا شبه تام لقادة الفصائل المسلحة في العراق، عن المشهد السياسي والميداني بعد الحديث عن استهدافهم، على غرار ما جرى في لبنان واليمن، لكن المشهد تغير مؤخرا، بعد بدء جولات التفاوض بين واشنطن وطهران.
ولعل “أبو علي العسكري”، أحد أبرز تلك الشخصيات، كونه المتحدث باسم كتائب حزب الله في العراق، فقد ظهر في بيان خلال تشرين الأول أكتوبر 2024، أثناء التصعيد العسكري ضد إيران و”محور المقاومة”، لكنه انقطع بعدها تماما قبل أن يعود في نيسان أبريل الماضي إلى الواجهة، عبر بيانات عدة.
مراقبون، وجدوا أن “الاختفاء” السابق جاء نتيجة للضغط الحكومي من جهة، والأوامر الإيرانية من جهة أخرى، فيما أرجعوا سبب عودتهم للظهور مجددا إلى المفاوضات النووية، التي أعطتهم “زخما جديدا”، وربما يحاولون أيضا إيصال رسائل عدة.
ويقول المحلل السياسي، نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “ما جرى، لعله المرة الأولى التي تحترم فيها الفصائل المسلحة قرار الدولة، فتغمد سلاحها في غمده ولم تعد تعبث بسياسات البلاد وأمنها، أو تتجاوز بتصريحاتها العبثية على مهام وواجبات القائد العام للقوات المسلحة، الذي يمتلك الحق الحصري في تتفيذ قرار مجلس النواب في السلم والحرب حسب النص الدستوري”.
ويضيف حيدر “صحيح أن الفصائل اتخذت القرار مكرهة، إلا أن الأمر يعود الى ثلاثة أسباب أساسية حسب التسلسل الزمني، أولها التهديدات الأميركية لحكومة السوداني، بأن واشنطن سترد بقوة على أي نشاط مسلح للفصائل، يستهدف منشآتها على الأراضي العراقية وفي المنطقة، إذا ما فشل القائد العام في الالتزام بتعهداته بحمايتها حسب الاتفاقيات والبروتوكولات الموقعة بين بغداد وواشنطن”.
ويرى حيدر، أن “فشل النظريات كانت دافعا للفصائل لممارسة نشاطها المسلح بالضد من قرار الدولة، مثل نظرية وحدة الساحات، فتيقنت بأن العراق قد يواجه نفس مصير تلك الساحات، إذا ما تهورت وخرجت عن الإجماع الوطني الذي يقف مساندا لقرار الدولة في السلم والحرب حصرا”.
ويشير إلى أن “السبب الأخير، هو المفاوضات الإيرانية الأميركية التي تريد طهران أن تصل بها إلى نتائج ملموسة، تفضي إلى اتفاق جديد مع واشنطن، حتى إذا اضطرت إلى تقديم تنازلات مؤلمة”، مبينا “هذا الجهد الذي تبذله طهران احتاج منها إلى إصدار أوامرها لوكلائها في العراق على وجه التحديد بتهدئة الساحة إلى حين”.
ويردف الباحث السياسي، قائلا “حسب المتابعة الدقيقة التي تستند إلى أخبار ومواقف خاصة وعامة، اعتقد أن الفصائل ستنخرط في العملية السياسية من خلال المشاركة في الانتخابات النيابية القادمة المزمع إجراؤها نهاية هذا العام، وبذلك ستترك سلاحها جانبا لتمارس العمل السياسي، وهذا أمر جيد ويصب في خدمة البلاد، ومجمل العملية السياسية، بغض النظر عن حجم المساحة التي ستشغلها وعدد المقاعد التي ستحصدها”.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد هدد في مقابلة مع شبكة “إن بي سي” في نهاية آذار مارس الماضي، بـ”قصف لم يسبق له مثيل”، إذا لم تتوصل الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وبدأت في نيسان أبريل الماضي، جولات المفاوضات النووية، بين إيران والولايات المتحدة بوساطة عمانية، وعقدت 3 جولات حتى الآن فيما تم تأجيل الجولة الرابعة.
إلى ذلك، يرى الكاتب والمحلل السياسي، أحمد الخضر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الظهور الإعلامي للفصائل وقادتها في مرحلة المفاوضات الأمريكية ـ الإيرانية، قد يكون بهدف إيصال رسالة بأن موقف الفصائل لا يتأثر بالمفاوضات”.
ويوضح الخضر، أن “الفصائل تريد إيصال رسالة مفادها، أن على الولايات المتحدة أن تفكر بموضوع الفصائل بمعزل عن هذه المفاوضات، لكن بالمقابل إدارة ترامب تدرك جيدا مدى عمق العلاقة بين هذه الفصائل وإيران وآلية العمل بينهما”.
ويتابع أنه “لا اعتقد أن رسالة الفصائل المسلحة وقادتها، سوف تكون مجدية من جانب الولايات المتحدة، لأن الجميع يعرف مدى تأثير طهران على قادة الفصائل، والارتباط الوثيق بين الجانبين”.
يشار إلى أن رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، أكد سابقا، أن الفصائل المسلحة، استجابت لقرار الحكومة، وأوقفت جميع نشاطها ضد الوجود الأمريكي.
يذكر أنه في شهر آذار مارس الماضي، أكد السفير الإيراني في بغداد، محمد آل صادق، في حوار مع التلفزيون الرسمي العراقي أن “رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لإيران تضمنت طلبا بحل (الحشد الشعبي) أو دمجه في الأجهزة الأمنية العراقية”.
فيما رد رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، على آل صادق، مؤكدا في حوار متلفز هو أيضا في ذات الشهر، على عدم وجود أي طلب أمريكي بشأن الحشد، موضحا في الوقت ذاته أن “حل الفصائل مرتبط بإنهاء وجود التحالف الدولي في العراق”.
من جهته، يؤكد الباحث في الشأن السياسي، رعد عرفة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المفاوضات الأمريكية الإيرانية أعطت زخما جديدا لقادة الفصائل، وانهت الاختفاء الإعلامي لهم”.
ويلفت إلى أن “التهديدات الأمريكية أدت لاختفاء تام لقادة الفصائل من الظهور الإعلامي، وحضور الاجتماعات، لكن المفاوضات بين طهران وواشنطن، خففت الضغط عليهم، وأعادت إحياء وجودهم الإعلامي من جديد، ظنا منهم بأن هذه المفاوضات تعني مرونة أمريكية، وعدم جدية بوجود قصف ضد العراق”.
وكان الكاتب السياسي اللبناني، مصطفى فحص، وجد في 10 نيسان أبريل الماضي، أن مباحثات مسقط سترتكز على ثلاثة ملفات؛ هي المشروع النووي الإيراني، والصواريخ الباليستية، والأذرع الإيرانية في المنطقة”، مبينا أن “إيران ستتخلى عن بعض أذرعها، وليس كلها لأسباب تأريخية، حيث سيتم في العراق إعادة تنظيم سلاح الفصائل وقوننتها، كذلك إيران ستعود للاهتمام بالداخل بعد توزيع الحصص في الشرق الاوسط، وستتخلى عن بعض الشعارات التي ترفعها عن القضية الفلسطينية”
من جانبه، يبين رئيس المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مصير الفصائل وقادتها في العراق، مرتبط بوضع إيران، ومدى نجاح مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية”.
ويؤكد فيصل، “إذا نجحت المفاوضات، وهذا شي مستبعد، فمن المؤكد أن خارطة المشهد السياسي العراقي ستتغير برمتها، وعلى رأس تلك الخارطة، وضع الفصائل المسلحة وقادتهم”، مضيفا أنه “إذا فشلت المباحثات، وذهبنا للحرب فالفصائل المتحالفة مع الحرس الثوري ستكون شريك طهران، وسيرتبط وضعها بنتائج الحرب”.