صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ما سيناريوهات العلاقات الإيرانية الخليجية بعد التقارب الأمريكي الإيراني؟

سهرت الكثير من العواصم العربية طوال الأيام السابقة سياسياً ودبلوماسياً وهي تحاول تفكيك وقراءة نتائج التقارب المربك بين كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني ما جعل التفاصيل مدارا لنقاشات بارزة ومهمة في مستويات القرار الخليجي، إذ تم التركيز في جزئية الاتصال الهاتفي الذي تلقاه السفير الإيراني في الأمم المتحدة ليفاجئ بأن الرئيس أوباما على الخط ويطالب بالتحدث مع الرئيس روحاني.

رفضت دول مجلس التعاون الخليجي أن يكون التقارب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران على حساب مصالحها، وقال الأمين العام للمجلس عبد الرحمن العطية في تصريح صحفي عقب القمة التشاورية الحادية عشرة التي عقدت في الرياض رداً على سؤال عن موقف دول الخليج من التقارب الإيراني الأمريكي \”نحن نؤمن بالحوار… إلا أننا نأمل أن أي حوار بين الدول ألا يكون على حساب مصالح دول مجلس التعاون الخليجي\”، وأضاف أن \”هناك تحرك أمريكي إيجابي نحو إيران نأمل ألا يكون على حساب الأمة العربية ومصالحها وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي\”.

وأوضح \”هناك تهديد استراتيجي وتهديد عسكري لدول الخليج، مشدداً على معارضة أي برنامج نووي خارج نطاق المعايير التي أكدت عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأننا نؤمن بألا يؤدي هذا البرنامج الإيراني إلى اهتزاز\”.

وقال المحلل السياسي المقرب من الدوائر السياسية السعودية عبد العزيز بن صقر لوكالة فرانس برس، إن دول الخليج لديها مخاوف وهواجس، بعد هذا التطور في سير العلاقات السياسية بين واشنطن وإيران، وفي الواقع، فإن دول مجلس التعاون الخليجي الست ترى بحسب الصقر أن أي تحسن في العلاقات بين واشنطن وطهران، يمكن أن يسهم في استقرار وأمن المنطقة، إلا أن هذه الدول لديها تحفظات في خصوص سرية المحادثات ونوعية التنازلات.

وتتهم دول الخليج إيران بدعم الاحتجاجات التي يقودها مواطنون شيعة في شرق السعودية والبحرين واليمن، إذ أن التقارب الأمريكي الإيراني يأتي وسط حالة انعدام الثقة بين الطرفين الخليجي والأمريكي على خلفية الحرب في سورية، كون أن دول الخليج كانت تفضل تدخلا عسكريا ضد نظام الأسد. وقال الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد ملخصا الانزعاج الخليجي \”كنا ننتظر الضربة التأديبية التي وعد بها أوباما ضد نظام الأسد، لكن أوباما بدلا من ذلك ضرب حلفاءه بمكالمة غزل سياسي أجراها مع حليف الأسد\”.

كما اعتبرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تحليلها أن ملامح التحسن في العلاقات بين واشنطن وطهران قد تؤدي بالضرورة إلى تقارب خليجي وإسرائيلي مؤكدة أنه بالإضافة إلى تل أبيب فإن دولا خليجية تخشى من صفقة أمريكية إيرانية تكون على حساب مصالحها والتي ستؤدي إلى تضعيف الدور العربي في المنطقة. وذكرت الصحيفة أنه في الوقت الذي كان يلتقي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري نظيره الإيراني محمد جواد ظريف على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، جرت مباحثات متشابهة بين دبلوماسيين إسرائيليين ونظرائهم في عدد من الدول الخليجية والعربية.  

ولأن السياسة الدولية لا تعرف إلا لغة المصالح وجدت الولايات المتحدة الأمريكية أن مصلحتها تكمن في التوافق مع إيران وأن اتخاذ أي مواقف عدائية معها لا يحقق الأهداف والمصالح الأمريكية، وهذا ناتج عن كون إيران دولة لها مكانتها الدولية ولاعبا استراتيجيا أساسيا في منطقة الشرق الأوسط والخليج.

إن الكثير من المحللين السياسيين والاقتصاديين يعتقدون بأن انقطاع العلاقات الإيرانية الأمريكية منذ أكثر من ثلاثين عاما خدم الدول العربية كثيراً إذ أخذت السعودية مثلاً مكان نظام الشاه الإيراني الذي كان شرطي المنطقة ويشتري الأسلحة الأمريكية ويخزنها في البلاد، وهذا ما تفعله السعودية اليوم، ومن جهة أخرى استفادت الإمارات العربية المتحدة من الحصار الغربي لإيران وأصبحت منطقة تجارية دولية وبوابة العالم الاقتصادية على إيران.

ومن هذا المنطلق ترى بعض الدول العربية أن استمرار القطيعة بين إيران وأمريكا مصلحة إستراتيجية مهمة، ولكن بالمقابل، من وجهة نظر المحللين، فإن هذه القطيعة لتصورات هذه الدول لن تدوم وستعود العلاقات بين إيران وأمريكا، وعندئذ ستخسر معظم الدول العربية الكثير بما فعلته في الماضي من استعداء لإيران والوقوف إلى جانب الدول الغربية وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية ضدها.

إن اللقاءات الرسمية العلنية التي شهدتها نيويورك بين وزراء خارجية الدولتين أعطت رسالة واضحة وصريحة بأن التقارب سوف يعطي نتيجة قريبة قد تخرج إيران من عزلتها مع الغرب وتعيدها إلى ساحات الدبلوماسية كما كانت في السابق.

كما أن ردود أفعال الجانب الأمريكي مع إيران تبدو مرحبة بفكرة التقارب معها لأسباب كثيرة منها، إن التقارب الأمريكي مع إيران يمثل فرصة جديدة لأمريكا في ابتزاز الدول الخليجية بشكل أكبر لصالح أجندتها لاسيما وان دول الخليج لا تمتلك أوراق ضغط كثيرة على أمريكا سوى ورقة النفط، وهي ورقة تعتبر محروقة حالياً كون إيران تمثل هي وحليفتها العراق مصدراً مهماً للطاقة في المنطقة، إذ تستطيع الولايات المتحدة خلالهما الاستغناء عن حاجتها النفطية من دول الخليج، بل إن أمريكا بتقاربها مع إيران سوف تجبر دول الخليج على تقديم المزيد من التنازلات السياسية لها للإبقاء على مستوى علاقاتها مع أمريكا على نفس الوتيرة السابقة، ما قد ينتج عنه توترات جديدة في العلاقة بين الطرف الإيراني والخليجي بسبب المنافسة المحتملة بين الطرفين للتقرب من أمريكا، وقد تتعدى آثارها النواحي السياسية لتصب في موضوع تأجيج الصراع الطائفي في المنطقة وإثارته بشكل أسرع وأقوى وهذا ما يصب في صالح السياسة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، كما أن التقارب الأمريكي الإيراني سيسهم في فتح قنوات دبلوماسية مع إيران تجاه الأزمة السورية والمنطقة بأكملها.

ومما سبق أرى أن هناك ثلاثة سيناريوهات مستقبلية للعلاقات الإيرانية الخليجية تتراوح بين الصراع والتهدئة، وهي متداخلة ومتشابكة إلى حد بعيد، بناء على مدى تأثرها بمتغيرات البيئة العربية والإقليمية والدولية وتتمثل بالآتي:

السيناريو الأول: تعاوني وتوافقي، سيعزز العلاقات بين الطرفين عن طريق إيجاد حلول واقعية لكل الخلافات والمشاكل العالقة بينهما، وفي هذا السيناريو ستعمل إيران على تهدئة الأقلية الشيعية في الدول الخليجية، مع إمكانية الوصول إلى حل سلمي لقضية الجزر الثلاث عبر التحكيم الدولي أو أي حل آخر يرضى به الطرفان، فضلا عن تطوير التبادل التجاري والاقتصادي والاستثماري بين طهران ودول الخليج ما سيؤدي إلى معالجة وحل المشكلة الاقتصادية الإيرانية، وربما ستقوم دول الخليج بمحاولة رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران إذا استطاعت أن تقدم المزيد من التنازلات في برنامجها النووي.

السيناريو الثاني: استمرار الفتور في العلاقات الإيرانية الخليجية، وبالتالي سيغلب الاتجاه الصراعي القائم حالياً، إذ أن هذا السيناريو مرتبط باستمرار حالة الخلل في التوزان على كافة المستويات الإقليمية والدولية، وستدخل إيران في مواجهة ليس مع الدول العربية فقط وإنما مع الدول الخليجية أيضا.

السيناريو الثالث: هو وسطي يقع بين السيناريوهين السابقين، فقد يكون تعاونياً أحياناً وصراعيا أحيانا أخرى، وفي ظل هذا السيناريو ستكون العلاقة بينهما قائمة على الشك والريبة ويميل إلى التهدئة في أغلب الأحيان، وفي إطار ذلك فان النهوض بمستوى العلاقات الإيرانية الخليجية يتطلب العمل الجاد والحد من العوامل التي تؤدي إلى التنافر والصراع بين البلدين.

إن ما سبق يؤكد حاجة البلدين إلى آليات تساعد على تحديد الأسس أو الأرضية المشتركة التي يمكننا من خلالها رسم صورة لمستقبل العلاقات الإيرانية الخليجية في ضوء المعطيات الراهنة للوصول إلى أقرب نقطة ممكنة للحد من القيود والضغوط الإقليمية والدولية التي تتعرض لها في ظل هذه التحديات.

والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا، كيف تفكر طهران، وما رؤية الدول الخليجية للتقارب الأمريكي الإيراني وما تداعياته على المنطقة بشكل عام وعلى السعودية وجاراتها بشكل خاص؟

إن أي محاولة لتحجيم المشاريع النووية الإيرانية لابد لها أن تنعكس إيجابيا على السلم في منطقة الخليج بالذات لقرب المنشآت الإيرانية من المنطقة، فضلاً عن إنه ربما قد يؤدي التقارب الأمريكي الإيراني إلى انفراج على الساحة السورية يخفف معاناة الشعب السوري ويحل الأزمة العالقة التي لم تستطع الجهود السعودية حسمها رغم كل المبادرات والتمويل للأطراف المتنازعة على سورية، فالتفاهم الروسي الأمريكي الذي تلاه التقارب الأمريكي الإيراني أثبت عدم قدرة السعودية الدبلوماسية الدولية التي تبدو وحيدة في دور المراقب المتوجس من تطور الأحداث في المنطقة وغير قادرة على تحويل النتائج لصالحها.

وأخيرا أختم مقالتي بالقول إن ثبات واستقرار هذه المنطقة رهين بالعلاقات الايجابية بين كل من إيران والدول العربية وبالأخص الخليجية منها وان التنمية المستديمة في الدول العربية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال علاقات متينة وإيجابية وثابتة ومستقرة مع جارتهم الكبرى إيران. وعلى الإدارة الأمريكية التي تعيش في حالة من الحيرة والتردد في التعاطي مع إيران أن تعترف بقوتها سياسياً وإقليمياً وتقنياً، وكما لجأت أمريكا الى لغة الحوار مع إيران فمن المناسب أن تلجأ دول الخليج الى المنهج نفسه وليس المواجهة أو الصراع معها، ولابد للدول العربية أن تعالج سياساتها الخاطئة قبل السعي لإقامة علاقات مع إسرائيل نتيجة استيائها للتقارب الإيراني الأمريكي التي أدت إلى قتل أي مشروع نهضوي عربي.

* كاتب وباحث سوري

إقرأ أيضا