ما علاقة التوتر الإقليمي بارتفاع الدولار في العراق؟

شهدت السوق العراقية ارتفاعا ملحوظا بأسعار صرف الدولار مقابل الدينار، حتى تجاوزت 155 ألف دينار لكل 100 دولار، وذلك بالتزامن مع اشتداد الحرب في لبنان، وتنامي الترجيحات بتوجيه ضربة إسرائيلية للعراق أو إيران، وقد أرجع مراقبون هذا الارتفاع لأسباب عدة، أولها حالة الذعر لدى المواطنين من نشوب حرب شاملة، ما دعاهم لتخزين الدولار، فضلا عن ازدياد الطلب عليه من قبل إيران والفصائل المسلحة، تحسبا للقادم.   

ويقول الخبير في الشأن الاقتصادي نبيل التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أزمة سعر صرف الدولار وقتية، وهي ليست اقتصادية، ولا يوجد أي خلل أو أزمة داخل البنك المركزي العراقي، بل سببها يعود لوجود مخاوف من المواطنين، جعلتهم يقومون بتخزين الدولار، بالإضافة إلى الهالة الإعلامية وحالة الذعر بخصوص أحداث الحرب في لبنان”.

ويضيف التميمي، أن “الحديث عن دخول العراق بحالة الحرب مع إسرائيل واحتمالية استهداف مواقع ومنشأت عراقية، أدى لعدم ثقة المواطن بالدينار أو بالتعامل البنكي، وهذا السبب الرئيس لأزمة الدولار، وفي هذه الحالة فإن الأزمة وقتية وليست مستمرة، والسوق يحتاج لثقة من الحكومة لإعادة الأسعار لوضعها السابق”.

وارتفع سعر الدولار في الأسواق العراقية، إلى 155 ألفا و750 دينارا لكل 100 دولار، بحسب سعر اليوم الإثنين، بعد أن بدأ بالارتفاع لأكثر من 150 ألف دينار، عقب اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بضربة إسرائيلية في لبنان، وهذا الارتفاع جاء بعد أن كان سعر الصرف مستقرا عند 148 ألف دينار لكل 100 دولار. 

وتشهد المنطقة توترا كبيرا، حيث قصفت إيران قواعد عسكرية إسرائيلية قرب تل أبيب، وذلك خلال هجوم صاروخي واسع، ردا على اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، إضافة إلى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.

ومنذ الأسبوع الماضي، كثفت إسرائيل من هجماتها على لبنان، وخاصة الضاحية الجنوبية، مدمرة أغلب البنى التحتية والبنايات، وسط توقعات برد إسرائيلي على إيران، فضلا عن رد إسرائيلي على العراق، بعد أن أعلنت أن جنديين إسرائيليين قتلا جراء طائرة مسيرة أطلقت من العراق.

من جانبه، يبين الخبير في الشأن المالي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ارتفاع سعر صرف الدولار الحالي، هو ليس اقتصاديا، فالدولار كان مستقرا لفترة طويلة، والبنك المركزي كان يبيع بكميات كبيرة تغطي حجم التجارة العراقية، وتصل إلى 270 مليون دولار يوميا”.

ويتابع المشهداني، أن “الأوضاع السياسية والأزمة التي تنذر بقيام الحرب وتوسع دائرتها، وتشمل العراق وإيران، وردود الفعل تجاه الدول التي تساند إسرائيل، هو السبب الرئيسي وراء الارتفاع الحاصل بسعر الدولار”.

ويؤكد أن “هناك سببين وراء الارتفاع، الأول يعود لوجود التزامات لدى قسم كبير من التجار مع موردين خارج العراق، وعندما تختل الأوضاع الاقتصادية والأمنية، فتبقى الالتزامات عليهم، وهم يحاولون الإيفاء بالتزاماتهم أولا بأول، لأن عملية التجارة ترتبط بسمعة التاجر فيريد تسديدها، ويحاول الحصول على الدولار بطريقة غير رسمية”.

ويستطرد الخبير المالي، أن “السبب الآخر يعود لوجود مخاوف لدى المواطنين، الذين مع اشتداد الأزمة والأخبار اليومية، حول تأزم الأوضاع فهم يريدون الحفاظ على خزن الدولار، تحسبا للسفر أو أي أمر طارئ”، مضيفا “كما أنه بسبب الأزمة الحالية الأمنية، فلا توجد ثقة بالتعامل البنكي، والمواطن يريد خزن الدولار في منزله أو معه شخصياً، وهناك 50 مليار دولار مخزون داخل البلد، لآن هنال خشية من التعامل المصرفي، نتيجة الخوف من العقوبات الاقتصادية التي قد تفرض على مصارف معينة أو تدهور الأحداث، وبالتالي انهيار المصارف، كما حصل في لبنان”.

ومنذ أشهر، تشن فصائل عراقية هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل إسنادا للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لكن التصعيد بدأ يشتد منذ دخول حزب الله اللبناني في القصف المتبادل مع إسرائيل حتى بلغ التصعيد ذروته باغتيال نصر الله.

وكانت صحيفة الشرق الأوسط نقلت، الأسبوع الماضي، عن مصادر مطلعة، تحديد تل أبيب 35 هدفا داخل العراق يمكن ضربها في أي لحظة، وتشمل استهداف قيادات سياسية بارزة وزعماء فصائل على غرار ما حدث في لبنان، مشيرة في الوقت ذاته، إلى طلب رئيس الوزراء محمد السوداني من شخصيات شيعية بارزة التوسط لكبح جماح الفصائل وعدم زج العراق في الحرب بين لبنان وإسرائيل.

إلى ذلك، يبين الخبير الاقتصادي جواد ملكشاهي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “منذ تولي محمد شياع السوداني رئاسة الوزراء وإلى اليوم فإن الأزمة مستمرة، وتتلاعب بها إياد مشبوهة مرتبطة بأجندات اقليمية”.

ويشير إلى أن “المشكلة الأساسية في الوقت الحالي وراء الأزمة، هو حاجة إيران للعملة الصعبة، وكلما زادت حاجة إيران للعملة الصعبة نتيجة الحصار المفروض عليها، يتم تجميع الدولار في السوق العراقية لإنقاذ الاقتصاد الإيراني، ما يسبب شح في السوق العراقية وارتفاع السعر مقابل الدينار”.

ويوضح أن “هذه الشح تعود بالمنفعة للجهات المرتبطة بالمحور الإيراني من جانبين، من جانب دعم الاقتصاد الإيراني والحيلولة دون انهياره، والجانب الثاني استخدامه كورقة ضغط ضد حكومة السوداني لتبقى تحت هيمنة إيران والقوى السياسية الموالية لها في الحكومة ومجلس النواب، كي لا يتمرد على تعليمات طهران”.

ويردف الخبير، أن “السبب الرئيسي للارتفاع الحالي، يعود لحاجة إيران والفصائل المسلحة للدولار، بسبب الأزمة الحاصلة في لبنان، وأيضاً لتمويل نفسها، وكذلك بسبب مخاوفها من الاستهدافات الحاصلة”.

وكانت “العالم الجديد”، من أوائل الصحف التي كشفت أن تهريب العملة مستمر، على الرغم من الضوابط على المصارف، ويتم عبر حقائب تنقل براً إلى تركيا وإيران، بعد سحب الدولار من السوق المحلية وليس عبر نافذة بيع الدولار الرسمية، وأطلق عليها متخصصون آنذاك بـ”الحوالات السود”.

إقرأ أيضا