صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ما هو مستقبل سوق العملات الرقمية في عصر ترامب؟

خلال العقد الأخير، وجدنا تطورًا كبيرًا في سوق العملات الرقمية، حيث شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في قيمتها، مما جعلها واحدة من أبرز المجالات الاستثمارية العالمية التي يمكن الاعتماد عليها، وبالفعل تمكنت من جمع الكثير من المستثمرين للاستثمار فيها لتفرض نفسها وبقوة على ساحة سوق الاستثمار، ومع عودة ترامب إلى الساحة السياسية الأمريكية من جديد لأخذ دورة جديدة في الرئاسة، يبرز السؤال الأهم حول تأثير قيادته المقبلة على هذا السوق الديناميكي، خصوصًا أنه كانت له آراء هجومية تجاه العملات المشفرة في الفترة الرئاسية السابقة، واختلفت سياسته بعض الشيء أثناء حملته الانتخابية لهذا العام، وبين هذا وذاك أي اتجاه سيتبني ترامب بعد توليه للرئاسة هذا العام، وكيف تؤثر سياساته هذه على التوجهات الاستثمارية والقوانين وحركة السوق بشكل عام.

نبذة عن العملات المشفرة وآلية عملها

العملات المشفرة  (Cryptocurrencies) هي عملات رقمية مشفرة تعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا الرقمية، وتستخدم كوسيلة للتبادل المالي بين الأفراد وبعضها البعض، تتميز هذه العملات بأنها غير مركزية، وهذا يعني أنها لا تخضع لسيطرة الحكومات أو المؤسسات المالية التقليدية عند تداول العملات الرقمية، وكانت أول عملة رقمية ظهرت على الإطلاق هي عملة البيتكوين في عام 2009 تحت اسم مستعار لصاحبها “ساتوشي ناكاموتو”.

تتمتع العملات الرقمية بمجموعة معينة من الخصائص تتمثل في كونها بالشكل التالي.

  • لا مركزية / حيث تعمل عبر شبكات البلوكتشين (Blockchain) التي تُدار بواسطة مجموعة موزعة من الأجهزة الحاسوبية، مما يجعلها خالية من السيطرة المركزية.
  • عالية الآمان/ فهي تعتمد أنظمة تشفير عالية الدقة لتأمين المعاملات وحماية البيانات المالية.
  • شفافة/ من خلال تسجيل جميع المعاملات في دفتر موزع يُعرف بـ “البلوكتشين”، وهو متاح للجميع للاطلاع عليه.
  • سريعة التحويل/ يتم تبادل العملات الرقمية بشكل أسرع وأقل في التكلفة عند مقارنة الأمر مع التحويلات التقليدية، وبالأخص عند التحويل على مستوى دولي.

 تعتمد العملات المشفرة على تقنية البلوكتشين التي هي عبارة عن سجل رقمي موزع وآمن يحتوي على جميع المعاملات، ويتم تنظيم تعاملاتها من خلال الاعتماد على تقنيات التشفير العالية، وهذا لضمان الأمان عبر مفاتيح عامة وخاصة، ويتم إضافة المعاملات إلى السجل من خلال التعدين، حيث تُحل معادلات معقدة بمكافآت عملات جديدة. تُخزن العملات في محافظ رقمية تُتيح استخدامها في الدفع الإلكتروني، الاستثمار، التحويلات الدولية، والتمويل اللامركزي، مما يجعلها ابتكارًا يُحدث تحولاً جذريًا في النظام المالي رغم التحديات التنظيمية.

العملات الرقمية خلال رئاسة ترامب الأولى 

في فترة رئاسته الأولى ما بين العام (2017 إلى 2021) أعرب ترامب عن مواقف سلبية تجاه العملات الرقمية بشكل عام، فقد كان قد وصف البيتكوين في إحدى تصريحاته السابقة بأنه “احتيال” يهدد الاستقرار المالي الأمريكي، وأنه يفضل الاحتفاظ بالدولار كآلية دفع ذات قابلية قوية داخل الأسواق، وقد كانت إدارته السابقة تقود توجهًا نحو تنظيم السوق الرقمي، وهذا عبر مؤسسات مثل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية  (SEC).

كانت فترة رئاسة ترامب السابقة أكثر تشديدًا على العملات الرقمية حيث قام بالتالي.

  • إجراء الرقابة 

تم تعزيز الرقابة على مشاريع الطرح الأولي للعملات (ICOs) التي شهدت انتشاراً واسعاً في تلك الفترة، مما أدى إلى تقليل المخاطر على المستثمرين ولكنه أثار قلقًا حول إمكانية قمع الابتكار.

  • السياسات النقدية 

بفضل توجهات ترامب السابقة بخصوص سوق العملات الرقمية تم التركيز على تعزيز الاقتصاد الأمريكي وخفض الضرائب، وعلى هذا الأساس ارتفعت جاذبية الأصول التقليدية مثل الأسهم والعقارات مقارنةً بالعملات الرقمية.

التوقعات المستقبلية لسوق العملات الرقمية في عصر ترامب 

مع عودة ترامب إلى السلطة من جديد فإن مستقبل العملات الرقمية بالتأكيد سيتأثر بشكل كبير، خصوصًا بعد السياسة الجديدة التي انتهجها ترامب تجاه العملات الرقمية والتي بدت واضحة في حملته الانتخابية الماضية، إليكم أهم التفاصيل التي تشير إلى ذلك.

دعم مالي كبير معتمد على العملات الرقمية 

في إطار حملته الانتخابية لعام 2024 تلقى دونالد ترامب تبرعات ضخمة من القطاع الرقمي، حيث قام كل من مؤسسا منصة “جمني” (Gemini) كاميرون وتايلر وينكلفوس، بتقديم تبرعات مالية ضخمة بعملة البيتكوين وصلت إلى 2 مليون دولار بالبيتكوين. وهناك أيضًا تبرع جيسي باول، مؤسس منصة “كراكن”، الذي تبرع بمبلغ مليون دولار بالاثريوم، ومثل هذه التبرعات الرقمية تدل على توجه ترامب لدعم تقنيات العملات الرقمية.

تصريح واضح من ترامب نفسه 

في مؤتمر للعملات الرقمية تمت إقامته في مدينة ناشفيل في يوليو 2024، صرح دونالد ترامب بتغيير جذري في موقفه تجاه العملات الرقمية. على الرغم من أنه كان قد انتقد العملات الرقمية في الماضي، إلا أنه أظهر الآن دعمه الكامل للقطاع، معلنًا أنه يعتزم تحويل الولايات المتحدة إلى “العاصمة الرقمية للعالم” وتكوين “احتياطي استراتيجي من البيتكوين” تحت قيادته. وأضاف ترامب أنه سيشكل مجلس استشاري للعملات الرقمية وسيضع سياسات داعمة لشركات العملات الرقمية. 

وعود ترامب بخصوص العملات الرقمية 

 وعد بإيقاف التشديد التنظيمي الذي تمارسه إدارة بايدن مشيرًا إلى أنه سينهي ما وصفه بـ “الحرب على العملات الرقمية” بمجرد توليه السلطة مجددًا​

ترامب وعد أيضًا بتعيين مسؤولين رقابيين يتبعون نهجًا أقل تدخلًا من الحكومة في تنظيم العملات المشفرة، مما يعني تقليل القيود على نمو هذه الصناعة. وهو يأمل أن يؤدي ذلك إلى جذب المزيد من الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المالية، بما في ذلك البلوكشين والعملات الرقمية.

 مشروع جديد في عالم العملات الرقمية 

تحت قيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تم الإعلان عن إطلاق مشروع جديد في عالم العملات الرقمية يسمى “World Liberty Financial” (WLFI). يهدف هذا المشروع إلى تقديم منصة تمويل لامركزي (DeFi) تتيح للمستخدمين إقراض واستعارة العملات الرقمية، مع التركيز على مساعدة المجتمعات غير المتعاملة مع البنوك التقليدية. يتمثل جوهر هذه المنصة في استخدام رموز الحوكمة (Governance Tokens) للمشاركة في قرارات تطوير المشروع، حيث سيكون لدى حاملي هذه الرموز دور في اتخاذ القرارات المستقبلية، على الرغم من أن الرموز ستكون غير قابلة للتحويل أو توليد دخل ثابت، وهو ما يميزها عن العملات الرقمية الأخرى القابلة للتداول. وهذا يعكس التوجه الجديد لترامب نحو تبني التكنولوجيا الرقمية وتقديم حلول مالية مبتكرة عبر العملات المشفرة

مستقبل العملات الرقمية في عصر ترامب

بفضل هذه السياسة المؤيدة للعملات الرقمية التي ينتهجها ترامب مؤخرًا، يعتقد العديد من المحللين أن سوق العملات المشفرة قد يشهد ازدهارًا أثناء تداول المراكز في حال استمرت السياسات المواتية. خاصةً مع طرح فكرة تصنيف البيتكوين كأصل استراتيجي، وهو ما قد يعزز من استقرار السوق على المدى الطويل​

في النهاية،  لا شك أنه مع التوجه إلى هذه السياسات الجديدة من المتوقع أن يكون مستقبل العملات الرقمية مجديًا، بحيث يكون الوقت الحالي وقت رائع للاستثمار في العملات الرقمية، فمن المتوقع لها مستقبل أفضل.

إقرأ أيضا