صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ما وراء حدود الثقافة

لا شك أن المثقف هو ذلك الانسان الفاعل في مجتمعه بما تراكم في ذهنه من خبرات معرفية تولدت من خلال اعتماد آليات الذكاء الانساني ومهارات العقل من أجل تفعيلها في حل مشكلات تواجه الانسان في حياته اليومية.

إذاً فالمثقف الحق هو الذي ينتقل من التنظير الفكري الى التطبيق العملي في تفاعلاته مع السياقات المجتمعية والسياسية والاقتصادية والثقافية للمجتمع والعصر الذي يعيش فيه.

واذا كان المثقف هو الذي يحاول حل مشكلات عصره فإن العبقري كما يذهب الى ذلك ألبيرت آينشتاين هو الذي يحاول دفع هذه المشكلات حتى قبل ان تولد، وبهذا المفهوم يربط عبقري ألمانيا مفهوم العبقرية بمفهوم الاستشراف و اعتبار المآل.

فإذا كان المثقف يفكر أين يضع قدميه لحل المشكلات، فإن العبقري هو الذي يحسن وضع القدم مع استحضار عواقب ذلك على المدى القريب أو البعيد.

إن المثقف هو الذي يبدع في حل الاشكاليات، أما العبقري فهو من يبدع في تأملاته لاكتشافها، والى نفس هذا المعنى أومأ العديد من العباقرة مثل نابليون بونابرت الذي يقول “انني ابدو دائماً جاهزاً للرد على كل شيء، ومجابهة أي شيء، و ما ذلك الا لاني فكرت طويلاً قبل الاقدام على العمل، لقد توقعت كل ما يمكن أن يقع، وليست العبقرية هي التي تكشف لي فجأة وبصورة سرية ما علي أن اقوله أو أفعله في ظرف لا يتوقعه الآخرون.. اذن، فمن يقوم بكل ذلك؟ انه تفكيري، انه “التأمل” أو مثل هانز كرايلشيمر الذي ذهب الى أن “الموهوبين يجدون الحلول، أما العباقرة فيكتشفون الإشكاليات”، أما آرثر شوبنهاور، فيرى أن المهارة تصيب هدفا لا يمكن لأحد أن يصيبه، أما العبقرية فتصيب هدفا لا يمكن لأحد أن يراه”.

من هنا تتضح حاجة كل مجتمع الى مثقفيه وعباقرته من أجل حل المشكلات، بل لاستشرافها ومحاولة تجنبها حتى قبل أن تقع، لذلك يهتم الغرب بالموارد البشرية أيما اهتمام لأنهم منبع الابداع والعبقرية لمستقبل الشعوب، فتطوير روح الابداع والعبقرية مفتاح تقدم الشعوب وآلية حل المعضلات وآلة استشراف المستقبليات.

وكأن المثقف بتفكيره في ما وراء حدود الثقافة يجعل من الثقافة موضوعا لمعرفة أين تبتدأ وأين تنتهي، وماذا يوجد من ورائها، أنها عملية تفكير الذات الواعية في نفسها و في نفس الآن في ارتباطاتها بمحيطها ومن ثم ضبطها في حدودها المعقولة حتى لا تخرج عن مهمتها المنوطة بها، وهي غربلة ما يمكن غربلته لتفريق المهام بين المثقف والمبدع والعبقري من أجل تفاعل أكثر إيجابية في المجتمع ومن ثم النهوض به الى أعلى مستويات الفاعلية في الاستثمار الثقافي في المجتمع.

انها عملية غربلة ثقافية ناجعة تبتدئ منذ الطفولة حتى يكتشف التربويون من هم الأطفال الذين بإمكانهم اصطحاب روح الطفولة على طول مدى مراحل عمرهم لأن ذلك حسب فيكتور هوجو هو سر العبقرية الحقة، فكم نحن في حاجة الى استعادة روح الطفولة فينا.

كاتب من المغرب

إقرأ أيضا