كشف ارتفاع حجم مبيعات البنك المركزي خلال عام 2024، عن خفايا كثيرة تخص الوضع المالي للبلد، ولعل أهمها، وفقا لنواب ومتخصصين بالاقتصاد، هو محاولة “المركزي” وبالتعاون مع وزارة المالية، بيع الدولار عبر المزاد لتوفير سيولة نقدية بالدينار، وهو أمر وصف بـ”الأزمة الكبيرة”، خاصة وأن بيانات الاستيراد التي يبيع وفقها البنك المركزي “غير واضحة” للجهات المعنية مثل الكمارك والمنافذ الحدودية.
وتسلط أزمة ارتفاع حجم مبيعات الدولار بمزاد العملة، الضوء على ما تحدث به رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، عندما أعلن أن بيع 50 مليون دولار كافية لسد الاستيراد، إلا أن ما يجري هو بيع نحو 300 مليون دولار، ما يترك علامات استفهام، دفعت باللجنة المالية إلى التأكيد على استضافة محافظ البنك المركزي تحت قبة البرلمان.
وتقول عضو اللجنة المالية النيابية، محاسن حمدون، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “اللجنة المالية قامت باستضافة رئيسي هيئتي الكمارك والمنافذ الحدودية، واتضح أنهم لا يحصلون على بيانات دقيقة من البنك المركزي العراقي لمعرفة الاستيرادات الواردة للعراق والتي يتم على أساسها بيع الدولار”.
وتضيف حمدون، أن “عدم معرفة الكمارك والمنافذ بالبيانات، يدل على ضبابية وعدم توافق بين الجهات المعنية بملف المبيعات والاستيرادات”، مبينة “إذا كانت مبيعات المركزي قد زادت في 2024 أكثر من 2023 فهذا يؤكد هاجس اللجنة المالية سابقا، بوجود أزمة سيولة لدى وزارة المالية لدفع رواتب الموظفين والمتقاعدين والالتزامات التي تترتب عليها شهريا، ولذلك يقوم المركزي ببيع الدولار بشكل أكبر لتوفير الدينار للوزارة”.
وتؤكد عضو اللجنة، في إجابتها على سؤال حول صحة طلب وزارة المالية تخفيض تمويل الموازنة من 216 تريليون دينار، كما في 2024 إلى 165 في موازنة 2025، تقول إن “ذلك صحيح وهو قيد النقاش حاليا في اللجنة، ولكن لا شيء مثبتا لغاية الآن”.
وتكشف حمدون، عن “تقدمها بطلب نيابي إلى رئيس مجلس النواب لاستضافة محافظ البنك المركزي علي العلاق في البرلمان، لاستيضاح مجمل الملفات المطروحة حاليا حول بيانات الاستيراد والعلاقة مع الجهات المعنية بملف بيع الدولار”.
وكان الخبير الاقتصادي، ورئيس مؤسسة عراق المستقبل، منار العبيدي، قال في منشور له على الفيسوك، يوم أمس الأربعاء، أن حجم مبيعات البنك المركزي لسنة 2024 بلغت 81 مليار دولار أمريكي، موزعة بالشكل التالي، 72 بالمئة من قيمة المبيعات عبر آليات تعزيز الأرصدة عبر البنوك المراسلة لمختلف العملات الاجنبية، و24 بالمئة، من قيمة المبيعات عبر منصة التعاملات التجارية التابعة للبنك المركزي والتي أعلن عن توقفها رسميا في نهاية 2024، و4 بالمئة من المبيعات فقط مبيعات نقد للمسافرين عبر مطارات العراق.
كما طالب الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، في منشور له أيضا، البنك المركزي العراقي بتوضيح حول البيانات المتعلقة بمبيعات البنك المركزي من الدولار، لأن الرقم الخاص بعام 2024 وهو 81 مليار دولار يبدو كبيرا جدا وهو يفوق مبيعات عام 2023 بنحو 25 مليار دولار، منوها لعدم السيطرة على الفجوة الكبيرة بين السعر الرسمي والموازي للدولار مقابل الدينار والتي بلغت أكثر من 15 بالمئة.
يشار إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، قال في مقابلة مع قناة العراقية في 31 كانون الثاني يناير 2023: أننا دائما نتحدث عن وجود فواتير مزورة وخروج الأموال إلى الخارج عن طريق التهريب وهذا واقع.
وقد أبدى السوداني، استغرابه في حينها من استيرادات تصل إلى 300 مليون دولار في اليوم الواحد، (وهي قيمة مبيعات البنك المركزي من الدولار)، ليؤكد أن “ذلك يفسر أن العملة كانت تهرب إلى الخارج، وهذه كانت مشكلة مزمنة منذ سنوات، فماذا توقف عن الحياة أو تغيير أو فقد في الاسواق باستثناء ارتفاع الأسعار في بعض المواد، خلال بيع البنك المركزي لـ 30 أو 40 أو 50 مليون دولار يوميا وفي السابق كان يباع 300 و200 و250 مليونا.
وامتدادا لهذه التصريحات، فقد أكد عضو اللجنة المالية مصطفى سند، في تدوينة له، أن، 81 مليار دولار حجم مبيعات الدولار خلال عام 2024، وهو الأعلى بتاريخ العراق، وهو أعلى من مجموع مبيعات سنتين (19+20)، وبالرجوع لتقنية الـVAR، فأن هناك تصريح لرئيس الوزراء قال أن 12 مليار دولار في السنة كافي لسد الإستيرادات والباقي تهريب وقضينا عليه.
من جانبها، يبين الخبير المصرفي، همام الشماع، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “مبيعات البنك المركزي يفترض بها تغطية استيرادات القطاع الخاص من مختلف أنواع السلع والخدمات، كما أكد رئيس الوزراء، وقال إن الحاجة هي 50 مليون دولار يوميا لتغطية تلك الاحتياجات”.
ويوضح الشماع، أنه “إذا نظرنا لتقديرات رئيس الوزراء بانها خاطئة، فيمكن افتراض حاجة الاستيراد إلى 150 مليون دولار يوميا كما كان عليه في السنوات السابقة، لكن هذه المبالغ الضخمة التي زادت في 2024 ليس لها مبرر سوى أن الخزينة العراقية تحتاج السيولة بالدينار العراقي لتغطية النفقات المتزايدة والكبيرة”.
ويتابع، أن “البنك المركزي من الواضح أنه يقوم بالاستمرار ببيع مبالغ ضخمة جدا للحصول على الدينار الذي يدفعه إلى وزارة المالية، لكي تتمكن من دفع المستحقات من الرواتب وغيرها المترتبة عليها شهريا”، مضيفا أن “المالية لديها التزامات كبيرة جدا وايرادات غير نفطية من الوزارات كالضرائب والكمارك، لكنها لا تشكل إلا نسبة صغيرة من التمويل ما جعلها تضطر في 2025 إلى اقتراح بشكل ضمني وخفي لتخفيض الموازنة من 216 تريليون إلى 165 تريليون، والسبب هي مشكلة السيولة ومبيعات المركزي”.
ويلفت إلى أن “البنك المركزي لا يستطيع بيع الدولار إلا عندما يصدر النفط، وإذا باع العراق الدولار أكثر مما صدره من النفط، هذا يعني سيقوم بسحب الدولار من احتياطاته الدورية ما سيتسبب بأزمة اكبر”.
ومنذ مطلع عام 2023، تدخلت واشنطن للحد من تهريب الدولار من العراق، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق المحلية لمستوى قياسي بلغ 170 ألف دينار لكل مائة دولار، بسبب تراجع مبيعات البنك المركزي من الدولار، نظرا لخضوعه لنظام “سويفت” المالي الدولي.
وقد أصدر البنك المركزي 3 حزم إجراءات للسيطرة على بيع الدولار وضمان عدم تهريبه إلى الخارج، وقلل في بداية الأزمة من مبيعات مزاد العملة حتى انخفضت لنحو 100 مليون دولار، ومن ثم عاود الارتفاع لنحو 300 مليون دولار يوميا.
جدير بالذكر، أن البنك المركزي، سبق وأن اتفق مع المصرف الأمريكي الشهير، جي بي مورغان، على أن يكون وسيطا، لإيصال مبالغ التجار العراقيين إلى الصين وتغطية استيراداتهم، بعد أن كان البنك يتعامل مع مصارف في الإمارات والأردن، وبحسب تقرير “العالم الجديد” فأن الاتفاق الجديد سيحدّ من الفواتير المزورة التي كانت منفذا لتهريب العملة لخارج البلد.
إلى ذلك، يعتبر الأكاديمي والباحث في الشأن الاقتصادي علي دعدوش، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق يشهد زيادة مستمرة في حجم الاستيراد، سواء للسلع الاستهلاكية أو المواد الخام والوسيطة، وهذا يتطلب المزيد من العملة الأجنبية لتغطية هذه الواردات”.
ويشير إلى أن “هناك طلبا متزايدا على الدولار من قبل الأفراد، سواء للسفر أو للتحويلات الشخصية، فضلا عن وجود زيادة موسمية في الطلب على الدولار في أوقات محددة من السنة، مثل موسم الحج أو الأعياد”، مشددا على أن “ارتفاع أسعار السلع المستوردة عالميا قد زاد من الحاجة إلى الدولار لتغطية قيمة تلك الاستيرادات”.
ويؤكد أن “مكافحة التهريب وغسل الأموال ليست عملية سهلة، وهي تتطلب وقتا وجهودا متواصلة، وقد يكون هناك بعض الثغرات ولكن هذا لا يعني فشل الإجراءات ككل”، متابعا أنه “يجب أن نضع في الاعتبار وجود تحديات اقتصادية خارجية تؤثر على الطلب على الدولار، مثل تقلبات أسعار النفط والتضخم العالمي وتغيرات أسعار الفائدة، وهذه العوامل لا يمكن التحكم بها بشكل كامل”.
يشار إلى أن البنك المركزي، يعلن بشكل يومي، حجم مبيعاته من الدولار في مزاد العملة، وكان آخرها يوم أمس الأربعاء، حيث باع 287 مليونا و904 آلاف و395 دولارا، غطاها بسعر صرف أساس بلغ 1310 دنانير لكل دولار للاعتمادات المستندية والتسويات الدولية للبطاقات الإلكترونية، وبسعر 1310 دنانير لكل دولار للحوالات الخارجية، وبسعر 1305 دنانير لكل دولار بشكل نقدي، وذلك بمشاركة 7 مصارف.