صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

متلازمات

احسبني وجدت تفسيرا للمشاعر غير المنطقية التي تتحرك لدى بعض الضحايا تجاه جلاديهم في لحظة ما.

بالأمس قرأت تقريرا صحفيا عن \”متلازمة ستوكهولم\” المصطلح الذي ظهر منذ أربعين عاما، ليفسر سبب التعاطف الذي ابداه عدد من المختطفين تجاه خاطفيهم، ففي اب 1973 احتُجز اربعةُ اشخاص داخل بنك بستوكهولم على يد مسلحين ثوريين وبعد ستة أيام ومع انتهاء ذلك الاحتجاز، بدا على الضحايا أنهم قد بنوا علاقة إيجابية مع المجرمين.

تكررت الحالة في السويد وكانت آخر تلك القصص التي وصفتها التقارير الإعلامية بنفس الوصف هي حالة صبية في العاشرة من عمرها، والتي اختطفت ولم تحرر إلا بعد ثمان سنوات، ونقل عنها أنها أجهشت بالبكاء عند سماعها خبر موت مختطِفها، وقامت بإشعال شمعة حيث يرقد جسده!

لقد كنت محظوظا ان اطلع على هذا التقرير بعد ساعات فقط من احتجازي واخرين لا اعرفهم، في حاجز امني. لقد كفر سائق الكية عندما توقف ليحمل نفر على مقربة من نقطة تفتيش، فلما اوشكنا على اجتياز الحاجز الامني صاح شرطي بالسائق (اكف يا قشمر … هويتك، سنويتك، والوكالة).

لم ينظر \”جيمس بوند\” في الوثائق ابدا، انما انهال على السائق الذي هو بعمر والده او شقيقه الاكبر، توبيخا ووعيدا وشتيمة.

ثم وجه خطابه الينا، اما انتم فترجلوا والا اعتقلناكم وفق المادة 4 ارهاب!

من الواضح اننا والسائق معنا لم نقترف ذنبا يستحق كل هذه الاهانات لكن انى لنا الاعتراض.

ضج الركاب يتوسلون، وخاصة الحجية التي كانت تجلس الى الخلف (يحفظ شبابك ابويي والله ما اطيق امشي عندي مفاصل هاي اخر مرة بعد ما يسويها).

ومثلها فعل جاري في المقعد الذي خاطر بإعلانه انه منتسب شرطة عسى ان يشفع لنا، اما نحن الشباب فلم ننبس ببنت شفة لان الشرطي كان حاميا ولم يبد اي تنازل.

السائق استسلم للأمر الواقع، اطرق رأسه ليسمع انواع التوبيخ، ولم يفعل شيئا سوى انه يردد (والله طالع على باب الله، حقك عليه اقسم بالله بعد ما اقف هوني)، والشرطي مازال ممانعا، وما اشفى غليله اجبار النفر صاحب المشكلة على الترجل من الكية وأكمل مشواره سريا على الاقدام ليستقل سيارة اخرى من مكان بعيد.

سار الى برج المراقبة كديك نفش ريشه بمناسبة النصر، قبل ان يصل عاد الينا ببطئ ثم القى الوثائق في وجه السائق \”المجرم\” وقال وهو ينظر الينا ، روحوا لخاطر الحجية.

تسابقنا في الدعاء له  الـ (رحم الله والديك… الله يحفظك… ينصر دينك).

هذه الحادثة ابسط ما يكون، كثيرا ما يتطور الامر الى سب للام والزوجة والاخت، وصفعات وركلات واحتجاز لساعات واعتقال حتى، وما ان يتفضل الشرطي باطلاق سراح \”المجرم\” حتى يدعو له الاخير بدخول الجنة والورد على حوض الكوثر!

الفرق بين متلازماتنا ومتلازمة ستوكهولم، ان الاولى مشاعر كاذبة لتجنب عواقب وخيمة، اما الثانية فتبدو انها مشاعر انسانية صادقة قد تجد ما يبررها تجاه جلاد لديه بعض الرحمة والانسانية.

اقول: اعادة انتخاب مسؤول مجرم وحرامي وفاسد وجاهل وارعن، هل تعد متلازمة؟

إقرأ أيضا