قبل عامين من الآن وقف السيد ينس ستولتنبيرغ، رئيس الوزراء النرويجي امام شعبه وهو يبكي.
حدث ذلك حين كان يعزي اهالي ضحايا مجزرة اوتايا، الجزيرة الصغيرة التي هجم عليها اندريس بريڤيك وقتل تسعة وستين شاباً وشابة كانوا في رحلة استجمام فوقها.
لا يعنيني هنا تفاصيل الجريمة قدر ما يعنيني موقف رئيس الوزراء الذي كان يذرف الدموع على الضحايا، دون ان ينسى تبنيه المسؤولية كاملة لما يجري من اخفاق امني. علما بأن الشرطة النرويجية كانت قد قبضت على المجرم بعد دقائق معدودة من وقت الجريمة.
في حادث آخر ليس بالبعيد زمناً اذ حدث قبل ايامٍ ان خرج قطار عن سكته في اسبانيا وراح ضحيته سبعة وسبعون مسافراً. ماذا كانت ردة فعل ماريانو روجوي رئيس الحكومة الأسبانية؟! نفس الموقف اعلاه كان النشيج غالباً على صوته وهو يعزي اهالي الضحايا ويتوعد بمحاسبة المقصرين.
في ديسمبر الماضي وقعت فاجعة في ولاية كونيتيكت الأميركية، حيث هجم مسلح على مدرسة ابتدائية هناك وقتل سبعة وعشرين طفلاً! يومها رأى الشعب الأميركي والعالم كله دموع أوباما تنهمر وهو يلقي كلمات التعزية على شعبه.
لقد قال يومها علينا ان ننحي السياسة جانباً، ونقوم بعمل جاد لمنع تكرار مثل هذه المآسي، ثم ختم خطابه بجملةٍ اختلطت بالنشيج، قال: لقد انفطرت قلوبنا هذا اليوم.
الآن راجعوا الأرقام التي دونتها اعلاه، سوف تجدون انها ارقام بسيطة فيما لو قرنت بأرقام ضحايانا، ومع ذلك تفطرت قلوب حكامهم (الكفرة) فما بال حكامنا (المؤمنين) قلوبهم قاسية؟!
لا يكاد يوم يمر دون موت ولا ساعة دون ضحايا، ومع ذلك لم نر من يذرف الدموع لأجلنا. فهل رأى احد منكم دموع المالكي يوما؟ هل سمعتم بأن النجيفي بكى وأبكى؟ ماذا عن الموامنة أصحاب الحس المرهف والقلوب الخاشعة؟ مالهم لا يشعرون!
يا ترى من اين جاء هؤلاء بكل هذه القسوة، وكل هذا الصلف؟! يوم دامٍ يمر ويليه يوم دامٍ وهم منشغلون بالتنابز والتشهير والتسقيط، ورمي المسؤولية على بعضهم بعضا.
بالأمس كانت بغداد وحدها غير آمنة، والآن اصبح العراق كله غير آمن. فالإرهابيون لم يبخسوا الكوت والسماوة وكركوك والبصرة وكل شبر حقه في الدماء.
التفجيرات وصلت حتى سوق خمسة ميل بالبصرة، وهو سوق فقير يرتاده بائعو الخضرة وامهات السمك. فماذا بعد يا اصحاب الصلافة؟! ماذا بعد يا نواب البايسكلات وقادة الأزمات؟! ما الذي يكسر قلوبكم علينا ويطأطئ رؤوسكم الجوفاء؟!
ماذا بعد يا رئيس الوزراء؟! متى تقول لشعبك ما قاله اوباما (لنا ان ننحي السياسة جانبا ونقوم بعمل جاد لمنع تكرار مثل هذه المآسي. لقد انفطرت قلوبنا هذا اليوم)؟ أما آن الأوان ان تتحمل المسؤولية وتقوم بعمل جاد؟! ألم يؤنبك ضميرك على هذه الإدارة الفاشلة للملف الأمني؟! متى تنسى انك قادر لوحدك على حفظ دمائنا؟! متى تستمع لصدى صوت أم فقدت وحيدها امام فرن الصمون؟! متى تبكي لدمائنا؟! متى ينفطر قلبك؟!