يمكن إعتبار نقطة الانطلاق للبحث عن شعبية كبيرة في الشارع من قبل الاحزاب الدينية بشكل عام في العراق بعد العام 2003، حيث بدأت تلك الأحزاب تتمظهر بأشكال عديدة، فكل حزب لديه عدة طرق لكسب الشعبية والحصول على اكبر مساحة من الانصار. ففي السنوات التي شهدت الإقتتال الطائفي برزت تلك الاحزاب بشكل اكثر قوة عندما غابت الدولة بشكل رئيسي. وابرز ما يمكن ملاحظته هو قيام تلك الاحزاب في الكثير من المدن، لاسيما المدن الجنوبية بوضع لافتات تدعم افكار احزابهم. من قبيل، لافتات ترحب بالضيوف الكرام ..او تودعهم \”بالسلامة\”، موضوعة عند مدخل كل مدينة خصوصا المدن الجنوبية وضواحيها، اما بعض القرى والأرياف فتميزت بوضع صور لرجالات تلك الاحزاب او المؤسسين او او لزعمائها الروحيين، والملفت ان بعض تلك الصور تعود لشخصيات تعيش خارج العراق!.
والملاحظ غياب اي جهد حكومي محلي في رفع تلك الصور واللافتات الكبيرة، مع انه يسارع مثلا بإزالة بعض اللافتات العائدة الى مواطنين او مؤسسات مدنية.
وهذا ما أثار ويثير تساولات كبيرة طرحها ادباء وكتاب في العراق حول هذه الظاهرة وما تمثله، واين ستتجه البلاد في تلك الفوضى الكبيرة التي تجتاح كل شيء على حد وصف بعضهم.
فليث سهر الزيدي، وهو روائي ومترجم، يقول لـ\”العالم الجديد\” إن \”الصور التي تضعها الاحزاب الدينية لا تمثل الهوية الحقيقة لكل مدينة، بل هي محاولة من بعض الاحزاب لتذكير الآخرين بوجودها لا اكثر\”، معتبرا ان \”الصور التي توضع في مداخل المدن وفي بعض الشوارع تمثل حالة من التجاوز السافر على سلطة الدولة، خصوصا ان الشارع ملك عام لا يمكن لأي احد ان يتجاوز عليه، كما انها ظاهرة ليست حضارية ابدا\”.
ويعلق الزيدي على الصور العائدة لرجال دين غير عراقيين، بالقول \”شيء مؤسف حقا، كما أنه يعطي للمشاهد انطباعا بعدم الانتماء لهذا الوطن \”.
فيما يجد عصام كشيش وهو إعلامي، أن تلك الظاهرة تؤكد ان الاحزاب تختزل هوية المدن بهويتها، وإلا لا يمكن ان اختصر بابل مثلا بكل عمقها التاريخي بلافتة حزب كاذب\”، متابعا في حديثه لـ\”العالم الجديد\” \”اما موضوع صور رجال الدين فتلك كارثة اخرى تغيب وتتغيب فيها هويتنا الوطنية على حساب اسلاموية الاحزاب الحالية، بالمحصلة انا ضد وضع اللافتات والصور لاي حزب او شخص.\”
من جهته، يذكر لـ\”العالم الجديد\” وجدان عبد العزيز، كاتب وشاعر أن \”كل لافتة لا تصدر من بلدية المدينة باطلة وتجاوز على سلطاتتلك المدينة، المدينة فيها كل الاحزاب، وفيها كل الاديان، وليس هناك حزب او دين يمثل الجميع، وكل الديمقراطيات والمجتمعات المتحضرة في العالم، تحترم الآخر، ولا يمكن بناء دولة مدنية ديمقراطية بدون احترام الآخر، ولهذا على احزابنا الدينية التخلص من عقدة مصادرة وتهميش الآخر.\”
أما محمد التميمي ويعمل صحفيا، يعتقد أن ظاهرة تلك اللافتات \”لا تليق بمداخل المدن ولا تمثل هويتها مع جل احترامنا لرجال الدين والمراجع\”، لافتا في اثناء لقائه مع \”العالم الجديد\”، الى أن \”الدول المتقدمة تضع عند مداخل المدن اهم الاماكن المهمة والتي تعتبر هوية لها، فمثلاً لدينا في ذي قار مدينة أور الاثرية والقيثارة السومرية، وغيرها يمكن ان تكون واجهة المدينة.\”
ويضيف على \”البلدية ان تزيل تلك اللافتات مع ضرورة أن يكون هناك قانون صارم\”.
بدوره، يعزو صلاح حسن، شاعر وكاتب، تلك الظاهرة الى غياب الدولة، قائلا \”ليس لدينا في العراق دولة، بل لدينا مجموعة احزاب تتقاسم السلطة ولكل حزب منطقة يعيث فيها بما يشاء\”، مؤكدا لـ\”العالم الجديد\” ان \”المشكلة ليست في اللافتات بل فيما تقوله وما ترفعه من شعارات طائفية، توحي للعابر انها محميات مجيرة لهذه الطائفة او لتك . هذه اللافتات تدعس هيبة الدولة والحكومة وتقدم دليلا فاضحا على ان العراق دولة مستباحة للجميع\” .
من جانبه، يشير محمد هاشم، الذي يعمل كاتبا، إلى ان \”المشكلة الرئيسية التي جعلت تلك الأحزاب تسير على هذا الطريق هو بسبب غياب الجدية الحقيقية في ايجاد قانون للاحزاب في العراق، حيث يجب ان يقر قانون للاحزاب حتى نستطيع ان نتعرف الى الاحزاب المتواجدة.\”
أما سعد عزيز دحام، وهو عضو لجنة التيار الديمقراطي فرع هولندا، يقول لـ\”العالم الجديد\”، أن تلك الظاهرة \”دليل على أن سلطة الدين والمذهب أقوى من سلطة القانون، كما أنها تمنح المدينة بمجملها هوية إنتمائية لدين معين ولمذهب معين، علماً أن بلدنا الحبيب العراق هو عبارة عن ألوان وأعراق وقوميات ومذاهب وأديان شتى، ابتعادنا عن نشر هذه الصور سيقربنا من حسنا الأنساني، وسنرى بعين مليئة بالمودة كل المذاهب والأعراق والقوميات والأديان سواسية، وستنتشر ثقافة السلام والمحبة بين الناس، بغض النظر عن انتماءاتهم\”.
الى ذلك، يصف ياسين الياسين، كاتب، انتشار تلك اللافتات بأنها \”تجيير غير منصف لجهة دون أخرى، وهو يجري بدون إذن وقبول من سكان المدن إياها التي تعلق على مداخلها ومخارجها لافتات ويافطات كبيرة لأحزاب وجهات وكأنّها فرضت وصايتها على الناس شاؤوا أم أبوا، وبغير وجه حق\”، ماضيا بالقول \”فضلاً عن أن الحالة متخلّفة جداً وغير حضارية يقتضي الحال محاربتها بشدة، وهيلاتشكل معيارا حضاريا يرفع من شأن المدينة أمام الزائر الجديد لها، وهي تجاوز صارخ على سلطة الدولة والدوائر البلدية فيها\”.