مثقفو العراق الذين باعوا بغداد هل يشترون دمشق؟

السؤال المتقدم مني، لكن الأصل هو للشاعر مظفر النواب الذي استفزه مشهد (العربان) الذين شاركوا في غزو بغداد وصمتوا عن اغتصاب القدس ورفعوا عقيرتهم بالمطالبة بضرب دمشق. فكتب جازما \”ان من باع بغداد والقدس لن يشتري دمشق\”!.
أتذكر مقولة النواب وأنا أقرأ في بعض الصحف والمواقع الألكترونية مقالات وبيانات لكتاب ومثقفين عراقيين في شجب وادانة التدخل العسكري في سوريا، والذي لفت نظري أن من بين هؤلاء الكتاب والمثقفين من وقف مع الغزو الأميركي للعراق وبارك احتلاله، بل وطالب ببقاء المحتلين لضمان استمرار (الديمقراطية) في بلادنا التي يريد (الارهابيون) القضاء عليها!.
وفكرت فيما اذا كان موقف هؤلاء المثقفين من العدوان على سوريا، نوعا من التراجع عن موقف اتخذوه في السابق من العدوان على العراق، وهل يمكن أن يشكل ذلك صحوة ضمير في لحظة ندم وتوبة عما اقترفوه بحق شعبهم وبلادهم في مباركتهم للاحتلال؟.
أمامي المذكرة التي نشروها في جريدة (الزمان) في 3 تموز  2004وسميت فيما بعد بحق \”وثيقة العار\” والتي وقعها مائة وخمسة \”مثقفا من مختلف الاختصاصات \” كما وصفوا هم أنفسهم، وبعثوا بها الى الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير وقد حملت عنوان \”خطاب شكر وامتنان باسم الشعب العراق لمن هبوا من أجل حريته\”، ولا أعلم كيف جاز لهذه الزمرة المثقفة أن تزعم تمثيلها لخمسة وثلاثين مليونا من العراقيين ومن خولها الكلام باسمهم!.
وللتذكير فقط، ولكي لا ننسى، ندرج بعض فقرات \”وثيقة العار\” تلك، والتي يخاطب أولئك المثقفون فيها بوش وبلير:
   \”.. اننا … ندرك حجم المأثرة الانسانية التي قدمتموها لشعبنا ووطننا.. انكما وحدكما من انسجم مع النبض الحقيقي لحضارة العالم وروح الحرية والعدالة وحقوق الانسان وأقدم على مساعدة شعبنا بشكل فعلي ليتمتع بثمار حضارة العالم التي حرم منها طويلا وفي مقدمتها الديمقراطية والحرية وحقوق الأقليات ومؤسسات المجتمع المدني.. لقد كان قراركما بالوقوف الى جانب شعبنا لحظة تاريخية ظاهرة وتدخلا انسانيا يليق بالمثل العليا التي تجسدانها..\”.
وتسترسل الرسالة لتحيي \”أرواح الجنود الأميركيين والبريطانيين والايطاليين والكوريين والبوليفيين والاسبانيين والأوكرانيين والبولونيين واليابانيين والاستراليين والحلفاء الآخرين (ربما المقصود هنا \”الاسرائيليين\”!) التي ستبقى بيننا تشهد على امثولة التعاضد بين البشر\”!.
ولم ينس المثقفون المائة وخمسة الدعوة، ومن دون حياء، الى استمرار العراق رهينة بيد المحتلين حيث  \”أننا لا نزال نتطلع الى أن يتواصل دعمكما والشعبين الأميركي والبريطاني لشعبنا وطلائعه السياسية الحرة.. الخ\”.
وتختتم الرسالة بالتمنيات للرئيس الأميركي بوش ورئيس الوزراء البريطاني بلير \”بالصحة والسعادة، وفائق الشكر والتقدير\”!.
موقف مثقفي العراق المئة وخمسة يذكرنا بموقف ابن العلقمي الذي باع بغداد قبل سبعة عشر قرنا (بعض الروايات تنفي عنه ذلك)، وهو أيضا كان مثقفا \”أديبا يكتب بفصاحة ويحتفظ في خزانة كتبه بعشرة آلاف مجلد وقد صنفت له كتب عديدة\”، لكنه ندم على فعلته واستيقظ ضميره حين رأته امرأة وهو يركب حمارا بعد دخول التتار بغداد فقالت له \”أيه يابن العلقمي.. ماذا صنعت بنفسك؟\”، وقد مات اثرها مهموما!.
وبعد ..
فيا أيها المثقفون المئة وخمسة: ماذا صنعتم بأنفسكم؟ وهل أنتم صادقون في رغبتكم بشراء دمشق؟ اذا كان الأمر كذلك فاطلبوا أولا المغفرة من بغداد التي بعتموها جهارا نهارا وعلى رؤوس الاشهاد..عودوا الى ضمائركم وارجعوا عن شر أعمالكم وتوبوا الى شعبكم لعله يغفر لكم خطيئتكم.. واعلموا أن لبغداد قلبا كبيرا يصفح ويغفر ويسامح.. لكنه لن ينسى!.
والشيء بالشيء يذكر!.

إقرأ أيضا