لا يمكن عزل مجزرة المصلين في محافظة ديالى عن سلسلة المجازر المروعة التي سبقت أو أعقبت سقوط الموصل بيد داعش وحلفائه. إنها الثمرة المُرَّة لنظام المحاصصة الطائفية وإفرازات طبيعية قاتلة لصراعات أحزاب وشخصيات الإسلام السياسي الشيعي والسني على المغانم والمناصب. غير أن المجزرة الجديدة تؤشر على الكثير من الأمور المهمة منها:
– إنها كشفت الوجه القبيح لتجييش المجتمع وتشكيل المليشيات بتوجهات وتوجيهات دينية بعد فشل الجيش الحكومي في صد واقتلاع العصابات التكفيرية لداعش وحلفائه وبقائها في موضع الدفاع السلبي.
– إنها كشفت زيف دعاة الوطنية من سياسيي العملية السياسية ممن يرفعون شعارات معارضة سلطة \”التحالف الوطني / الشيعي\” وخصوصا أولئك الناشطون في ائتلاف النجيفي والمطلك وعلاوي، فهؤلاء، مثلا، مثلا، ابتلعوا ألسنتهم تماما ولم يعلقوا بشيء على مجزرة طلاب الكلية الجوية في تكريت التي عرفت باسم \”مجزرة سبايكر\” وراح ضحيتها ألف وسبعمائة أسير أعزل وفق بعض الأرقام ولم يمنحوها عشر معشار اهتمامهم وضجيجهم وبياناتهم بعد حدوث مجزر المصلين المدانة.
– المجزرة الأخيرة قوّت ورجحت احتمال وإمكانية اختراق قوات \”الحشد الشعبي\” وحتى القيادات العسكرية الحكومية من قبل داعش أو المخابرات الأميركية والإقليمية كإيران وتركيا وغيرهما.
– ضحايا هذه المجزرة، كما في كل مجزرة، أصبحوا مادة للمتاجرة السياسية والطائفية. ولتوسيع دائرة الضحايا تم اتهام عشائر صغيرة ومعزولة تعاني من التمييز كعشيرة الزراكشة وغيرها. وقد افتقدنا أي تصريح عقلاني مهدئ ومعتدل للساسة الطائفيين الرداحين والرداحات ربما باستثناء تصريح صغير لسليم الجبوري خلا من التحريض الطائفي المباشر.
بخصوص هذه العشيرة ومثيلاتها ممن يريد الساسة الطائفيون من السنة والشيعة تحميلها وزر خطاياهم نسجل المعلومة التالية لوجه الحق: لقد ظهر علينا بعض أنصار بعث الدوري وداعش بروايات وقوائم أسماء تتهم هذه العشيرة الصغيرة والتي يعيش أفرادها في فقر مدقع ونبذ عنصري وطائفي بتنظيم المجزرة، وبأنها ارتكبت المجزرة، لأنها كما يزعم العنصريون (واحدة من سبع عشائر فارسية الأصول رفضت الدولة العراقية منح أفرادها الجنسية العراقية) علما أن هذه العشيرة، كما يؤكد عارفون بأصول العشائر، هي عشيرة كردية من قبيلة أو إثنية كردية أكبر تدعى \”اللور\” ولغتهم ليست الفارسية بل هي \”الكلهورية\” المختلفة عنها، وكانت لها مواقف وطنية مشهودة خلال ثورة العشرين، وهم قوم مسالمون امتهنوا الزراعة والرعي وصيد الأسماك. وقد تعرض أفرادها لحملة إبادة شنيعة من قبل عصابات داعش والبعث النقشبندي. وحتى على افتراض أن هذه العشيرة وغيرها من أصول فارسية فهل يطعن ذلك في عراقية أفرادها وهم وأجدادهم ولدوا وعاشوا في العراق منذ قرون؟
وبهذا الصدد يؤكد شهود زاروا مقبرة \”خضر\” في مدينة خانقين ذات الأغلبية السكانية الكردية والتي تسمح بدفن موتى هذه العشيرة فيها أن أفراد عشيرة الزركوش تعرضوا لحملة إبادة ممنهجة من قبل التكفيريين الدواعش والنقشبندية طوال السنوات الماضية وأن هناك قبورا لعوائل بكاملها منها قتلت ظلما وبشكل فظيع.
كما لم تسلم من الاتهام بارتكاب هذا النوع من المجازر قبائل وعشائر عربية فقد اتهمت عشيرة آلبو عجيل بأن أفرادا منها شاركوا في مجزرة \”سبايكر\” المدانة وطرحت في الإعلام أسماء بعض أفرادها وحتى حين أعلن شيخ هذه العشيرة أن عشيرته قررت تسليم عشرة من هؤلاء المتهمين إلى القضاء العراقي استمرت الاتهامات والسخرية والنيل من هذه العشيرة وأفرادها وتوعدهم متطرفون شيعة بالتصفية.
خلاصة القول: لا يمكن إنهاء وإيقاف هذا النوع من المجازر، وإنقاذ العراق والعراقيين منها ما لا يتم إنهاء الأسباب المؤدية له بإنهاء العملية السياسية الطائفية وإعادة كتابة الدستور كخطوة أولى لابد منها. هذا على مستوى الطموح الاستراتيجي، أما عمليا فلن تنهي لجان التحقيق والتصارع على المناصب والامتيازات بين ساسة النظام هذه المجازر البشعة إنما يمكن البدء بعدد من الخطوات العملية الجريئة والسريعة منها:
– حلِّ ومنع كافة التشكيلات المليشياوية كقوات بدر والصحوات وسرايا السلام والعصائب ولواء عاشوراء… الخ، وإعلان عدم قانونيتها. وفي حال عدم إمكانية الاستغناء عنها عسكريا يجب دمجها ومعاملتها كأفراد متطوعين وتحويل كيان \”الحشد الوطني\” إلى قوة عسكرية رسمية رديفة للجيش ولا علاقة لها بالأحزاب والعشائر والطوائف.
– إصدار قرارات وقوانين تحجم وتحد من تأثير ونفوذ العشائر والطوائف وكيانات ما قبل الدولة وإخضاعها للدولة وقوانينها وتجريم من يخرج على هذه القوانين ويحاول فرض قوانينه العشائرية والطائفية على المواطنين خصوصا في ما يتعلق بالقوامة العشائرية والفصل والعقوبات الثأرية الأخرى.
ونختم بالقول: لا نعتقد بأن هذه الخطوات المقترحة ستكون كفيلة بإنقاذ العراق والعراقيين من مجازر الطائفيين المتبادلة بل لابد من إنهاء العملية السياسية الطائفية التي تمثل الماء الذي تعيش فيه السمكة الأميركية السامة \”المحاصصة الطائفية العنصرية\” التي تقوم وتمشي عليها العملية السياسية الفاشلة.
* علاء اللامي: كاتب عراقي