ما يزال منصب محافظ كركوك، يشكل أزمة سياسية معقدة، ورغم تدخل رئيس الحكومة لأكثر من مرة وعقده اجتماعات مع مكونات المحافظة، إلا أن الحل يبدو بعيدا من وجهة نظر بعض الكتل السياسية فيها، رغم تأكيدها على أن الخطة الأقرب للتحقق هي تقاسم السلطة بين العرب والكرد.
ترجيحات صدرت من أعضاء بمختلف الكتل السياسية في المحافظة، بعقد اول جلسة لمجلس كركوك خلال الأيام المقبلة، لكنها ما زالت دون موعد أو حلول حقيقية، ورغم هذا، فإن مراقبا يرى أن الأزمة لها امتدادات دولية وإقليمية، وحلها أكبر من قدرة الحكومة الحالية.
ويقول الأمين العام للمجلس العربي في كركوك حاتم الطائي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الآمال كلها معقودة على اجتماع رئيس الوزراء مع المكونات السياسية في كركوك من أجل الوصول إلى نتائج إيجابية، ومن المتوقع أن تعقد في الأيام القليلة المقبلة جلسة جديدة لمجلس محافظة كركوك”.
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، عقد يوم أمس، الاجتماع الثالث للقوى السياسية الممثلة لمكونات محافظة كركوك، والمنضوية في ائتلاف إدارة كركوك، وشهد الاجتماع استعراض الجهود والمشاورات المبذولة لإقرار ورقة الاتفاق السياسي بين مكونات المحافظة، والآليات الكفيلة بتشكيل الحكومة المحلية، وفقاً للقانون، وكذلك الاتفاق على عقد جلسة لمجلس المحافظة ضمن سقف زمني متفق عليه.
ويضيف الطائي، أن “الاتفاق موجود بالأساس على تقاسم السلطة بين العرب والكرد لسنتين لكل منهما، وآلية التطبيق سيتم تثبيتها ضمن اجتماع رئيس الوزراء ومكونات كركوك السياسية”، موضحا أن “مقترح إعادة الانتخابات هي إحدى وسائل الضغط من قبل القوى الخاسرة والمتضررة، وحتى قضية رفع شكوة لدى المحكمة الإدارية هي كلها تندرج ضمن هذا السياق”.
ويتابع الأمين العام للمجلس العربي في كركوك، أن “مسألة إعادة انتخابات كركوك بعيدة كل البعد عن الواقع، وحتى وأن ذهبت الأمور بهذه المنحنى فإن الخيار سيكون باختيار بدلاء عن الأعضاء الحاليين للمجلس وليس إعادة الانتخابات”.
وكان محافظ كركوك بالوكالة، راكان سعيد الجبوري، قد دعا في 30 كانون الثاني يناير الماضي، الفائزين بعضوية مجلس المحافظة لعقد أول اجتماع للمجلس في الأول من شباط فبراير الماضي لاختيار رئيس مجلس المحافظة ونائبيه، وانتخاب المحافظ ونائبيه، إلا أن الخلافات حالت دون حسم انتخاب المحافظ حيث تطالب الكتل الكردية بالمنصب، كما أن العرب أيضا يريدون الاستمرار بإدارة المحافظة، وكذلك التركمان يطمحون للفوز بالمنصب.
يذكر أن محافظة كركوك، أجرت أول انتخابات عام 2005، وفي 18 كانون الأول يناير 2023 شهدت إجراء انتخابات مجالس المحافظات، ونال الكورد فيها سبعة مقاعد، وانضمت إليهم كتلة بابليون التي فازت بمقعد الكوتا، ليصبح مجموع المقاعد ثمانية، وفي المقابل نال العرب ستة مقاعد، فيما حصل التركمان على مقعدين.
من جانبه، يبين القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، غياث السورجي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “اجتماع القوى السياسية مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بخصوص أزمة تشكيل حكومة كركوك كان يهدف إلى تقريب وجهات النظر من أجل حسم هذا الخلاف المستمر منذ أشهر دون التوصل إلى أي حلول سياسية طيلة الفترة الماضية”.
ويتابع أن “السوداني وقادة القوى السياسية اتفقوا على عقد اول جلسة لمجلس محافظة كركوك خلال الايام المقبلة، فلا يمكن بقاء المجلس معطل بسبب الخلافات السياسية، لكن لم يتم تحديد موعد عقد الجلسة لغاية الآن، وممكن أن تكون بعد عيد الأضحى أو قبله بأيام قليلة”.
ويلفت إلى أن “السوداني وقادة القوى السياسية أكدوا على ضرورة تشكيل حكومة محلية توافقية بمشاركة كل الأطراف السياسية وتعمل كل الأحزاب على التعايش السلمي وإبعاد الخلافات السياسية عن أي شيء قد يكون له تأثير على الاوضاع الاجتماعية ، كما جرى التأكيد على عقد اجتماع جديد خلال المرحلة المقبلة من أجل حسم هذه الأزمة بشكل نهائي”.
إلى ذلك، يبين المتحدث باسم المجلس العربي في كركوك عزام الحمداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “كل المكونات تقريبا تتمسك بمنصب محافظ كركوك وهذا ما أخّر الحل في المحافظة”.
ويلفت الحمداني، إلى أن “كركوك فيها ثقافة مختلفة، وهي أعلى من الصوت السياسي وتتمثل بالجماهير، فلا يمكن لأي حزب التنازل عن منصب المحافظ خشية من اتهامه بالخيانة من قبل جماهيره”، مشيرا إلى أن “مقترح تدوير المنصب بين العرب والكرد مطروح، إلا أننا كمكون تركماني نرفضه بشكل قاطع، ونطالب بأن يكون لنا دور في المحافظة أسوة بباقي الأطراف، كما أنه من الصعب إدارة المحافظة بثلاثة محافظين خلال اربع سنوات”.
ويتابع أن “السوداني التقى بالكتل السياسية في كركوك لعدة مرات وطلب منهم تقديم ورقة موحدة ولكن الكتل لم تتمكن من ذلك”، مضيفا أن “الاجتماع الأخير ايضا لن يحدث تأثيرا”.
ويرجح المتحدث باسم المجلس العربي في كركوك، أن “يتم تنصيب محافظ من بغداد لإدارة كركوك، ويكون حصرا من خيار السوداني ليثبت للكتل السياسية أنه قادر على حل الأزمة الحالية”.
ووفقا لقانون انتخابات مجالس المحافظات الذي ينص على وجوب انعقاد أول جلسة خلال 15 يوما من تاريخ المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات، كما يأتي بعد يوم واحد من تأدية أعضاء المجلس اليمين القانونية أمام القاضي، ويترأس الجلسة الأولى لمجلس المحافظة أكبر أعضاء المجلس سنا، وهي بروين فاتح من كتلة الاتحاد الوطني الكوردستاني.
وفي الجلسة الأولى لمجلس المحافظة يجب انتخاب رئيس المجلس ونائبه وذلك بأغلبية أصوات المجلس (50+1)، أي أن الفائز يجب أن يحصل على تسعة أصوات من أعضاء مجلس محافظة كركوك، لكن لا توجد فقرة قانونية توضح المدة التي يمكن للمجلس ترك جلسته مفتوحة في حال لم يتم حسم المنصبين في الجلسة الأولى.
إلى ذلك، يبين المحلل السياسي راجي نصير، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “واقع الحال في كركوك، هو أكبر من كونه مشكلة محلية أو خلاف بين مكونات، فالموضوع يرقى إلى وصف مشكلة دولية واقليمية في ظل وجود جهات تريد الإبقاء على كركوك عقدة بين العراق وتركيا وإيران من جهة، وما بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان من جهة اخرى”.
ويستطرد نصير، “هذه المشكلة قديمة عمرها أكبر من عمر حكومة السوداني وسابقاتها، بل هي من بقايا الاحتلال البريطاني للعراق، وهي هكذا يراد لها أن تكون عقدة للمشاكل لإشغال العراق وإضعافه بالتصدعات الداخلية”، متوقعا “استمرار أزمة كركوك ما دامت هناك حاجة دولية لذلك، والموضوع أكبر من تحله الحكومة الاتحادية”.
ورغم مضي أشهر على إعلان النتائج النهائية لانتخابات مجالس المحافظات، ما زالت كركوك بلا إدارة محلية تتولى شؤون المحافظة التي ما زالت غير مستقرة أمنيا بشكل تام حيث ما زالت جيوب وخلايا لتنظيم داعش تتواجد في وديان واراضٍ المحافظة وتنفذ بين وقت آخر عمليات تستهدف القوات الأمنية، كما أن كركوك تعد عقدة سياسية للأحزاب الكردية فيما بينها، وكذلك الأحزاب التركمانية والعربية شيعية وسنية.