هو يسافر الآن باتجاه الغرب البعيد حيث امريكا، حصل على فرصة الالتحاق بارض العم سام بعد سنوات من الانتظار عند الاسوار الداخلية للحزن، شاعر يكتب القصيدة العمودية بروح تأملية لا تحب الضجيج الذي يشيعه الوزن في جسد الابيات، وقارئ حميم للجمال في كل شيء. تعرفت عليه بعد عودته من هجرته الاولى الى سوريا، حيث اقام لسنوات هناك بعيدا عن الحصار اولا، ومن ثم العنف والدم اللزج في ارصفة بغداد، ولكن قدر ذلك البلد حيث تتفتق الارض عن الخضرة في كل مكان ان يشارك العراق نواحه بالنغمة نفسها، عاد من سوريا الى العراق كمن يلوذ من الرمضاء بالنار، وكان لي أن التقيه في عمل جمعنا سوية على مدى عام لم يكتمل. الحقيقة انني تعلمت منه الكثير، فقد كان انسانا يتقن الهدوء لحماية ذاته ويحزن كنسر لا يفارق جبل الصمت، كنت قد قرأت له ديوانه الاول قبل اللقاء، واشهد انه مختلف عن مجايليه، وتحديدا جماعة قصيدة شعر، و قصيدته تحتفل باسئلة الوجود والشك والموت والغربة الداخلية.
محمد البغدادي يغادر العراق نحو الولايات المتحدة الاميركية ساعيا نحو قصيدته الجديدة، وربما الاكثر ارتباطا بالحياة بعد ان كتب عن الموت كثيرا. واكثر ما يؤلمني في رحيله انني لم اعرفه منذ زمن طويل، فهو من انجح الصدقات التي يمكن ابرامها في حياتنا خشنة الملامح. اقول له بيأس: ستصبح امريكيا يا صديقي، ولكن عقالك سيحتفي دائما ببقعه الحمراء التي تشير الى ارض الدم، تلك التي خلفتها تقلب قصائدك على جمرة في اعماق اللحن، وتكسر من قافيتك سلامتها وامنها.
الى اللقاء هنا، كما اتمنى.